بعض التحريفات في كتب القوم

بعض التحريفات في كتب القوم
ورأيت من المناسب أن أذكر لكم نقطة تتعلّق بآية التطهير، وبالحديث الوارد في ذيل الآية المباركة، ومن خلال ذلك تطّلعون على بعض التحريفات في كتب القوم.
إنّ من جملة الأحاديث الواردة في مسألة آية التطهير ونزولها في أهل البيت: هذا الحديث عن سعد بن أبي وقّاص، وهو بسند صحيح، مضافاً إلى أنّه في الكتب الصحيحة، كصحيح مسلم، وصحيح النسائي وغيره:
يقول الراوي: عن سعد بن أبي وقّاص: أمر معاوية سعداً فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ يعني عليّاً.
يقول معاوية لسعد بن أبي وقّاص: لماذا لا تسبّ عليّاً. أي: إنه قد أمره أن يسبّ فامتنع، فسأله عن وجه الإمتناع.
فقال: أمّا إن ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول اللّه فلن أسبّه.
يقول سعد: لأن يكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم:
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول له وخلّفه في بعض مغازيه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»…، وسمعته يقول يوم خيبر: «سأُعطي الراية غداً رجلاً»…، الخصلة الثالثة: ولمّا نزلت: (إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرًا) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي».
هذا الحديث تجدونه بهذا اللّفظ في كثير من المصادر.
وكما ترون في هذا اللفظ، قد أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أو ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ بهذا اللّفظ.
لكن النسائي يروي هذا الحديث بنفس السند في موضع آخر من كتابه(1)، يريد أن يلطّف اللفظ ويهذّب العبارة فيقول: عن سعد:
كنت جالساً، فتنقّصوا علي بن أبي طالب، فقلت: قد سمعت رسول اللّه يقول فيه كذا وكذا.
هكذا اللّفظ، كنت جالساً فتنقّصوا علي بن أبي طالب، أين كان جالساً؟ وعند مَن؟ ومن الذي تنقّص؟ فهذا نحوٌ من التصرّف في لفظ الحديث!
ثمّ يأتي ابن ماجة، فيروي هذا الحديث باللفظ التالي: قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد. فذكروا عليّاً فنال منه، فغضب سعد(2).
يقول: فذكروا عليّاً، من ذكر عليّاً؟ غير معلوم، فنال منه، من نال من علي؟ غير معلوم، فغضب سعد وقال: تقولون هذا لرجل سمعت رسول اللّه يقول له كذا وكذا إلى آخر الحديث.
ثمّ جاء ابن كثير(3)، فحذف منه جملة: فنال منه فغضب سعد، وهذا لفظ روايته: قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا عليّاً، فقال سعد: سمعت رسول اللّه يقول في علي كذا وكذا.
نصّ الحديث بنفس السند في نفس القضيّة.
أترون من يروي القضيّة الواحدة بسند واحد بأشكال مختلفة، يكون قابلاً للإعتماد؟ أترونه يحكي لكم الوقائع كما وقعت؟ أترونه ينقل شيئاً يضرّ مذهبه أو يخالف مبناه أو ينفع خصمه؟
ولكن اللّه سبحانه وتعالى شاء أن تبقى فضائل أمير المؤمنين ودلائل إمامته وولايته بعد رسول اللّه، أن تبقى في نفس هذه الكتب، وسنسعى بأيّ شكل من الأشكال لأن نستخرجها، نستفيد منها، نبلورها، وننشرها، وهذا ما يريده اللّه سبحانه وتعالى.
(يُريدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(4).
وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.

(1) سنن النسائي 5 / 108.
(2) سنن ابن ماجة 1 / 45.
(3) البداية والنهاية 7 / 340.
(4) سورة التوبة (9): 32.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *