كلام ابن تيمية و الردّ عليه

لكنّ ابن تيميّة قد خلط في مقام الردّ، بين الكبرى والمصداق، بقطع النّظر عمّا في كلامه من السبّ والتهجّم والقول بالباطل، فذكر وجوهاً نورد أكثرها:
الأوّل: «إن هذا الإمام الموصوف لم يوجد بهذه الصفة، أمّا في زماننا، فلا يعرف إمام معروف يدّعى فيه هذا ولا يدّعي لنفسه، بل مفقود غائب عند متّبعيه ومعدوم لا حقيقة له عند العقلاء… وهذا المنتظر لا ينفع… وأيضاً، فالأئمة الاثنا عشر لم يحصل لأحد من الاُمّة بأحد منهم جميع مقاصد الإمامة… وأمّا الغائب فلم يحصل به شيء… .
الوجه الثاني: أن يقال: قولكم: لابدّ من نصب إمام معصوم يفعل هذه الامور:
أتريدون أنه لابدّ أنْ يخلق اللّه ويقيم من يكون متّصفاً بهذه الصفات… فاللّه لم يخلق أحداً متّصفاً بهذه الصفات! فإن غاية ما عندكم أن تقولوا: إن عليّاً كان معصوماً، لكنّ اللّه لم يمكّنه ولم يؤيّده، لا بنفسه ولا بجند خلقهم له حتى يفعل ما ذكرتموه.
بل أنتم تقولون: إنه كان عاجزاً مقهوراً مظلوماً في زمن الثلاثة… .
وإنْ قلتم: إنّ الناس يجب عليهم أن يبايعوه ويعاونوه.
قلنا: أيضاً، فالناس لم يفعلوا ذلك، سواء كانوا مطيعين أو عصاة.
وعلى كلّ تقدير، فما حصل لأحد من المعصومين عندكم تأييد، لا من اللّه ولا من الناس… .
الوجه الثالث: أنْ يقال: إذا كان لم يحصل مجموع ما به تحصل هذه المطالب، بل فات كثير من شروطها، فلم لا يجوز أن يكون الفائت هو العصمة؟… .
الوجه الرابع: إنه لو لم يخلق هذا المعصوم، لم يكن يجري في الدنيا من الشرّ أكثر ممّا جرى، إذ كان وجوده لم يدفع شيئاً من الشرّ حتى يقال وجوده دفع كذا، بل وجوده أوجب أنّ كذب به الجمهور وعادوا شيعته… .
وإذا قيل: هذا الشرّ حصل من ظلم الناس له.
قيل: فالحكيم الذي خلقه إذا كان خلقه لدفع ظلمهم، وهو يعلم أنه إذا خلقه زاد ظلمهم، لم يكن خلقه حكمة بل سفهاً… .
الوجه الخامس: إذا كان الإنسان مدنيّاً بالطبع، وإنما وجب نصب المعصوم ليزيل الظلم والشرّ عن أهل المدينة، فهل تقولون: إنه لم يزل في كلّ مدينة خلقها اللّه تعالى معصوم يدفع ظلم الناس أم لا؟
إنْ قلتم: بل نقول هو في كلّ مدينة واحد، وله نوّاب في سائر المدائن.
قيل: فكلّ معصوم له نوّاب في جميع مدائن الأرض أم في بعضها؟
فإن قلتم: في الجميع، كان هذا مكابرة.
وإنْ قلتم: في البعض دون البعض.
قيل: فما الفرق إذا كان ما ذكرتموه واجباً على اللّه، وجميع المدائن حاجتهم إلى المعصوم واحدة؟
الوجه السادس: أن يقال: هذا المعصوم يكون وحده معصوماً أو كلٌّ من نوّابه معصوماً؟
وهم لا يقولون بالثاني، والقول به مكابرة… .
وإنْ قلت: يشترط فيه وحده.
قيل: فالبلاد النائية عن الإمام، لا سيّما إذا لم يكن المعصوم قادراً على قهر نوّابه بل هو عاجز، ماذا ينتفعون بعصمة الإمام؟… .
الوجه السّابع: أن يقال: صدّ غيره عن الظلم وإنصاف المظلوم منه وإيصال حق غيره إليه، فرع على منع ظلمه واستيفاء حقّه، فإذا كان عاجزاً مقهوراً لا يمكنه دفع الظلم عن نفسه… وأيّ ظلم يدفع…؟
الوجه الثامن: أن يقال: قوله: لو لم يكن الإمام معصوماً لافتقر إلى إمام آخر… فيقال له:
لم لا يجوز أنْ يكون إذا أخطأ الإمام كان في الاُمّة من ينبّهه على الخطأ؟… ومن جهل الرافضة: إنهم يوجبون عصمة واحد من المسلمين، ويجوّزون على مجموع المسلمين الخطأ إذا لم يكن فيهم واحد معصوم… .
الوجه التاسع: أن يقال: العلم الديني الذي يحتاج إليه الأئمة والاُمّة نوعان: علم كلّي، كإيجاب الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان والزكاة والحج… وعلم جزئي كوجوب الزكاة على هذا، ووجوب إقامة الحدّ على هذا، ونحو ذلك.
فأمّا الأوّل، فالشريعة مستقلّة به، لا تحتاج فيه إلى الإمام… .
وأمّا الجزئيّات، فهذه لا يمكن النصّ على أعيانها، بل لابدّ فيها من الإجتهاد المسمّى بتحقيق المناط… وإذا كان كذلك، فإنْ ادّعوا عصمة الإمام في الجزئيّات، فهذه مكابرة… .
ولمّا كانت الشيعة أبعد الناس عن اتّباع المعصوم الذي لا ريب في عصمته وهو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم… فلا جرم تجدهم من أبعد الناس عن مصلحة دينهم ودنياهم… ولها كانوا يشبهون اليهود في أحوال كثيرة منها أنه ضربت عليهم الذلّة أينما ثقفوا… ولابدّ لهم من نسبة إلى الإسلام يظهرون بها خلاف ما في قلوبهم…» إلى آخر كلامه في السبّ والشتم للشيعة والطعن في أئمتهم…(1).
أقول:
أمّا السبّ والشّتم… فنكله فيه إلى اللّه، وعليه حسابه وجزاؤه.
وأمّا سائر كلامه، فخروج عن البحث وخلطٌ واضح وفرارٌ عن قبول الحق… .
فهو تارةً، يتطرّق إلى أشخاص الأئمة فيقول: بأنّ عليّاً الذي تقولون بعصمته لم تترتّب على إمامته الفائدة المقصودة، بل بالعكس، وأنّ المهدي الذي تقولون بإمامته معدوم لا حقيقة له… .
وأخرى، يشكك في أصل لزوم وجود الإمام بين الناس، لأنّ العلم الديني نوعان… إلى آخر كلامه… .
وثالثةً، يدّعي عدم إمكان صدّ الإمام الظّلم في المجتمع، لعدم عصمة ولاته ولتباعد البلاد عن بلد حكومته… .
وهكذا سائر كلماته… .
فأنت ترى أنه لم يرد على الكبرى التي أفادها العلاّمة بشيء، لعدم إمكان الردّ عليها… .
وخلاصتها: إنه لابدّ من وجود إمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولابدَّ من كونه معصوماً، حتى يحصل الغرض من وجوده.

(1) منهاج السنّة 6 / 385 ـ 429.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *