بعض أحاديثهم في عدم عصمة الأنبياء، كحديث أنّ النبيّ كان يأكل قبل النبوّة مما ذبح على الأنصاب. و كحديث الغرانيق و غيرهما

أمّا قبل النبوّة، فحديث أكل نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله ممّا ذبح على الأنصاب، أخرجه البخاري: «عن عبداللّه بن عمر: أنه يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذاك قبل أنْ ينزل على رسول اللّه الوحي. فقدّم إليه رسول اللّه سفرةً فيها لحم، فأبى أن يأكل منها. ثم قال: إنّي لا آكل ممّا تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلاّ ممّا ذكر اسم اللّه عليه»(1).
وأمّا بعد النبوّة، فقصّة الغرانيق، التي رووها بأسانيد كثيرة نصّ غير واحد من أئمّة القوم على صحّتها:
قال السّيوطى: «أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن منذر بسند صحيح، عن سعيد بن جبير، قال: قرأ النبي صلّى اللّه عليه وآله بمكة النجم، فلما بلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى * وَمَناةَ الثّالِثَةَ الاُْخْرى) ألقى الشيطان على لسانه «تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى». فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا. فنزل قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلا نَبِيّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ…)»(2).
ومن العجيب قول السيوطي: «وأخرج البخاري عن ابن عباس بسند صحيح فيه الواقدي».
قال: وأورده ابن إسحاق في سيرته.
ورواه الهيثمي عن البزار والطبراني وغيرهما وقال: «رجالهم رجال الصحيح»(3).
وقال ابن حجر العسقلاني: «لها أسانيد كثيرة تدل على أنّ للقصّة أصلاً»(4).
ولذا قال ابن أبي الحديد وغيره: «وقد أخطأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في التبليغ حيث قال: تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى»(5).
هذا، وقد تقدّم عن بعضهم: جواز أنْ يكون في الاُمّة من هو أعلم وأفضل من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله. وممّا يشهد به في أحاديثهم اعتراضات عمر عليه صلّى اللّه عليه وآله ونزول الوحي بتأييد عمر بن الخطّاب، كقضية صلاته على عبداللّه بن أبي:
«عن نافع عن ابن عمر قال: لمّا توفي عبداللّه بن أبي، جاء ابنه عبداللّه بن عبداللّه إلى رسول اللّه، فسأله أنْ يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أنْ يصلّي عليه.
فقام عمر، فأخذ بثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال: يا رسول اللّه، أتصلّي عليه وقد نهاك ربّك أنْ تصلّى عليه؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إنّما خيّرني اللّه فقال: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ) وسأزيده على السبعين.
قال: إنه منافق.
قال: فصلّى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
فأنزل اللّه تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَد مِنْهُمْ ماتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)»(6).

(1) صحيح البخاري 5 / 124 و 7 / 165. وانظر: الجمع بين الصحيحين 2 / 275، مسند أحمد 2 / 69، 89 ، 127.
(2) الدر المنثور 6 / 66، لباب النقول في أسباب النزول: 150.
(3) مجمع الزوائد 7 / 115.
(4) فتح الباري 8 / 561 .
(5) شرح ابن أبي الحديد 7 / 19، الفرق بين الفرق: 210.
(6) صحيح البخاري 2 / 202، 6 / 129 ـ 131، صحيح مسلم 7 / 116، 8 / 120.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *