الردّ عليه

وغاية ما يقدر أن يكون هذا خطأً من الاجتهاد أو ذنباً. وقد تقدّم الكلام على ذلك»(1).
أقول:
هذا تمام كلام ابن تيمية:
فمنه: ما لا دخل له في البحث، فلا نتعرّض له، كقوله: إن كان طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة.
ومنه: إنكارٌ للحقيقة الثابتة وتكذيب للعلماء الكبار من أهل السنة الرواة للخبر.
ومنه: دعوى طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقولهم هو ذهب باختياره. فمن هم هؤلاء الكثرة من أهل العلم؟ كأنه يقصد نفسه ومن حوله من طلبته!!
ومنه: التناقض الواضح، فهو في حين يحاول ردّ خبر الطّرد فيقول: قصة نفي الحكم ليست في الصحاح… وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه. يعتمد على خبر سؤال عثمان النبي صلّى اللّه عليه وآله في ردّ الحكم قائلاً: «وقد رووا أن عثمان سأل النبي أن يردّه فأذن له في ذلك» فهذا تناقض، لأن هذا الخبر ليس في الصحاح، ثم من الذين «رووا»؟ لماذا لا يذكر أسنادهم ولا أسمائهم؟
ومنه: كتم الحقائق، فإن أبا بكر وعمر ما كان إباؤهما عن ردّ الحكم عن اجتهاد منهما، بل قال أبو بكر «هيهات هيهات أن أغيّر شيئاً فعله رسول اللّه، واللّه لا رددته أبداً» وعن عمر أنه قال: «ويحك يا عثمان، تتكلّم في لعين رسول اللّه وطريده وعدوّ اللّه وعدوّ رسوله». وعثمان ما كان إرجاعه للحكم اجتهاداً منه، بل صلةً لرحمه كما قال هو، هذا الرحم الذي نصَّ أبو بكر وعمر والمسلمون على أنه «عدوّ اللّه وعدوّ رسوله»!
وأيضاً: قال: «ولا ينكر عليه ذلك المسلمون» فكتم الحقيقة الواضحة في أن قصة إيواء الحكم من جملة أسباب قيام المسلمين ضدّ عثمان.
ثم التجأ ابن تيمية إلى الاحتمالات، فاحتمل ما لا أساس له أبداً، كاحتمال توبة الحكم في زمن عثمان، واحتمال أن الحكم قد طلب منه إرجاعه إلى المدينة ولم يطلب ذلك من أبي بكر وعمر… فهذه احتمالات لا توجد في شيء من الروايات والكلمات.
حتى اضطرّ بالتالي إلى أن يقول ـ وكأنه يشعر بسقوط ما قال ـ «وغاية ما يقدّر أن يكون هذا خطأً من الإجتهاد أو ذنباً» ولكن: لن يصلح العطّار ما أفسده الدهر.

(1) منهاج السنة 6 / 268.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *