المورد الثالث: كان ابن مسعود يطعن عليه و يكفّره/ من فضائل ابن مسعود/ ما لاقاه ابن مسعود من عمر/ ما لاقاه ابن مسعود من عثمان

المورد الثالث
قال قدس سره: وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفّره.
الشرح:
عبد اللّه بن مسعود يعدّ من أكبر وأشهر صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وله في كتبهم فضائل يروونها بحقّه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، حتى أنهم رووا عنه أنه قال: «تمسّكوا بعهد ابن مسعود»(1) وأنه قال: «رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد»(2) يعني: عبد اللّه بن مسعود.
ولكن لا حجة في الحديثين، لسقوط الأوّل منهما سنداً، ولأن الثاني وارد في الحديث بعد أن قال ابن مسعود: رضيت باللّه ربّاً… فكان النبي راضياً بما رضي به ابن مسعود… وقد أوضحنا ذلك في كتابنا الكبير(3).
ولكن القائلين بصحّة الحديثين، وبجلالة قدر ابن مسعود، ملزمون باقتضاء ذلك ضلالة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وكونهما ظالمين مخالفين لأمر اللّه ورسوله!
وذلك لما ورد عندهم من منع عمر ابن مسعود من الإفتاء وحبسه في المدينة المنوّرة، فقد أخرج الدارمي بإسناده أن عمر قال لابن مسعود: «ألم أنبأ ـ أو أنبئت ـ أنك تفتي ولست بأمير! ولّ حارّها من تولّى قارّها»(4).
وأخرج ابن سعد بإسناده: «قال عمر بن الخطاب لعبد اللّه بن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول اللّه؟ قال: أحسبه قال: ولم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات»(5).
وقال الذهبي: «إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله»(6).
وأمّا قضيّة عثمان مع ابن مسعود فثابتة عندهم كذلك:
قال اليعقوبي ـ في قصة المصاحف بعد كلام له ـ : «فأمر به عثمان فجرّ برجله حتى كسر له ضلعان، فتكلّمت عائشة وقالت قولاً كثيراً… واعتلّ ابن مسعود فأتاه عثمان يعوده، فقال له:
ما كلامٌ بلغني عنك؟
قال: ذكرت الذي فعلت بي. إنك أمرت بي فوطئ جوفي، فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر. ومنعتني عطائي.
قال: فإني أقيدك من نفسي، فافعل بي مثل الذي فعل بك.
قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء.
قال: هذا عطاؤك فخذه.
قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه تعطينيه وأنا غني عنه؟! لا حاجة لي به.
فانصرف، فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفي، وصلّى عليه عمار بن ياسر، وكان عثمان غائباً، فستر أمره، فلما انصرف رأى عثمان القبر فقال: قبر من هذا؟
فقيل: قبر عبد اللّه بن مسعود.
قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟
فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألاّ يخبره به.
ولم يلبث إلا يسيراً حتى مات المقداد، فصلّى عليه عمار وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به، فاشتدّ غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء، أما لقد كنت به عليماً»(7).
وفي المعارف في خلافة عثمان: «وكان مما نقموا على عثمان: أنه… طلب إليه عبد اللّه بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعمائة ألف درهم من بيت مال المسلمين. فقال عبد اللّه بن مسعود في ذلك، فضربه إلى أن دقّ له ضلعين…»(8).
وفي (الرياض النضرة 2 / 163) و(الخميس 2 / 261) و(تاريخ الخلفاء للسيوطي 158) واللفظ للأوّل: «فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضب من غضب لأجل ابن مسعود وأبي ذر وعمار».
وانظر:
تاريخ الطبري والكامل في التاريخ والعقد الفريد وأسد الغابة وغيرها.
ومع هذا كلّه، فقد كذّب ابن تيمية الخبر قائلاً: «فهذا كذب باتّفاق أهل العلم»(9)!

(1) سنن الترمذي 5 / 336.
(2) المستدرك 3 / 319.
(3) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار 3 / 65 ـ 75.
(4) سنن الدارمي 1 / 61.
(5) الطبقات الكبرى 2 / 336.
(6) تذكرة الحفاظ 1 / 7.
(7) تاريخ اليعقوبي 2 / 170 ـ 171.
(8) المعارف: 194.
(9) منهاج السنّة 6 / 252.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *