دفاع ابن تيميّة عن يزيد

أقول:
وابن تيمية ـ وإن لم نجد في كلامه تلك اللّفظة ـ فكلماته تؤدي مؤدى تلك اللّفظة، وكما استدلّ ابن العربي بما وضعوه عن النبي: «إنه سيكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان»(1) نراه يستدلّ بحديث موضوع آخر قائلاً: «وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: من جاءكم…».
ولقد تمادى ابن تيمية في التعصّب حتى أنه جعل ينكر الحقائق التاريخية التي ذكرها أهل السنة أيضاً، وما ذلك إلا دفاعاً عن يزيد وبني أمية، وتنزيهاً له عن القضايا التي أصبحت ضرورية، وهو ـ على كلّ حال ـ يحاول تبرير ما فعله يزيد… وحتى تمثّله بشعر ابن الزبعرى لم يذكره على واقعه ولم يورد الشعر بكامله، الذي هو كفر صريح، ونحن نذكر ذلك عن بعض الكتب المعتمدة:
روى أبو جرير الطبري كتاب المعتضد العباسي في بني أمية، وقد جاء فيه حول معاوية ما نصه:
«ومنه إيثاره بدين اللّه، ودعاؤه عباد اللّه إلى ابنه يزيد المتكبر الخمّير، صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهديد والرهبة، وهو يعلم سفهه ويطلع على خبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره، فلما تمكن منه ما مكنه منه ووطأه له، وعصى اللّه ورسوله، طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحرّة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش، مما ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عبد نفسه وغليله، ظن أن قد انتقم من أولياء اللّه وبلغ النوى لأعداء اللّه، فقال مجاهراً بكفره مظهراً لشركه:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القوم من ساداتكم *** وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلّوا واستهلّوا فرحا *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل
ولعت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى اللّه ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله، ولا يؤمن باللّه ولا بما جاء من عند اللّه.
ثم من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم: سفكه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، مع موقعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراء على اللّه، وكفراً بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهدة لعترته، واستهانة بحرمته. فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفار أهل الترك والديلم، لا يخاف من اللّه نقمة ولا يرقب منه سطوة، فبتر اللّه عمره واجتث أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقه من اللّه بمعصيته»(2).
فهذه هي الأبيات التي قالها يزيد، لكن ابن تيمية لا ينقل منها إلا بيتين، وتلميذه ابن كثير وإن لم يذكر البيت: «ولعت ـ أو: لعبت ـ هاشم بالملك…» إلا أنه ذكر أربعة أبيات، فقد روى ما نصه:
«عن ليث، عن مجاهد، قال: لما جئ برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد تمثل بهذه الأبيات:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً *** ثم قالوا لي هنيّاً لا تسل
حين حكت بفناء بركها *** واستحر القتل في عبد الأسل
قد قتلنا الضعف من أشرافكم *** وعدلنا ميل بدر فاعتدل
قال مجاهد: نافق فيها، واللّه ثم واللّه ما بقي في جيشه أحد إلا تركه، أي ذمّه وعابه».

(1) العواصم من القواصم: 232.
(2) تاريخ الطبري 10 / 60.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *