في قول النبي لأهل بيته: (أنا حرب لمن حاربكم) و تكذيب ابن تيمية و الردّ عليه برواية أحمد و الترمذي و ابن ماجة و الطبراني و الحاكم و غيرهم

قال قدس سرّه: فسمّوا مانع الزكاة مرتدّاً ولم يسمّوا من استحلّ دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين عليه السلام مرتدّاً. مع أنهم سمعوا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: يا علي حربك حربي وسلمك سلمي. ومحارب رسول اللّه كافر بالإجماع.
الشرح:
قال ابن تيمية: «هذا الحديث ليس في شيء من كتب علماء الحديث المعروفة، ولا روي بإسناد معروف، ولو كان النبي صلى اللّه عليه وسلّم قال لم يجب أن يكونوا قد سمعوه، فإنه لم يسمع كلّ منهم كلّ ما قاله الرسول صلّى اللّه عليه وسلم، ولا روي بإسناد معروف؟ بل كيف إذا علم أنه كذب موضوع على النبي صلى اللّه عليه وسلّم باتّفاق أهل العلم بالحديث؟»(1).
في قول النبي لعلي وأهل البيت: أنا حرب لمن حاربكم…
أقول:
ما قال النبي صلّى اللّه عليه وآله هذا في حق علي فحسب، بل قاله فيه وفي الزهراء وابنيهما عليهم الصلاة والسلام، فقل لابن تيمية وأتباعه (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ)فقد:
أخرج أحمد عن تليد بن سليمان، عن أبي الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: «نظر النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم»(2).
وأخرج الترمذي قال: «حدّثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي، حدّثنا علي بن قادم، حدّثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن السدّي، عن صبيح مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(3).
وأخرج ابن ماجة قال: «حدّثنا الحسن بن علي الخلال وعلي بن المنذر قالا: حدّثنا أبو غسان، ثنا أسباط بن نصر، عن السدّي، عن صبيح مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم»(4).
وأخرج الطبراني قال: «حدّثنا علي بن عبد العزيز ومحمد بن النضر الأزدي قالا: ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن صبيح مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم: إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم.
حدّثنا محمد بن راشد، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا حسين بن محمد، ثنا سليمان بن قرم، عن أبي الجحاف عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن صبيح مولى أم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ عن جدّه، عن زيد بن أرقم قال: مرّ النبي صلى اللّه عليه وسلّم على بيت فيه فاطمة وعلي وحسن وحسين ـ رضي اللّه عنهم ـ فقال: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.
حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا تليد بن سليمان، عن أبي الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ قال: نظر النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة ـ رضي اللّه عنهم ـ وقال: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(5).
وأخرج الحاكم بإسناده عن أحمد بالسند واللّفظ وقال: «هذا حديث حسن من حديث أبي عبد اللّه أحمد بن حنبل عن تليد بن سليمان، فإني لم أجد له رواية غيرها.
(قال): وله شاهد عن زيد بن أرقم حدّثناه أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن صبيح مولى أم سلمة، عن زين بن أرقم، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(6).
قلت:
ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وأخرجه الخطيب قال: «حدّثنا محمد بن الحسين القطان، حدّثنا عبد الباقي بن قانع القاضي، حدّثنا أحمد بن علي الخزاز، حدّثنا أحمد بن حاتم الطويل، حدّثنا تليد بن سليمان، عن أبي الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(7).
قلت: وعبد الباقي بن قانع، هو الذي اعتمده ابن تيمية في إنكار أن يكون للإمام الحسن العسكري عليه السلام عقب، إن كان ابن قانع قد زعم ذلك، والعلم عند اللّه.
ورواه الذهبي في مواضع من (سير أعلام النبلاء) ولم يعلّق على سنده بشيء، قال ـ بعد حديث رواه عن جامع الترمذي وتكلّم على سنده ـ : «وفي الجامع، لزيد بن أرقم: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهما ولا بنيهما: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم».
قال: «أحمد بن حنبل: حدّثنا تليد بن سليمان، حدّثنا أبو الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: نظر النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم»(8).
قال: «أحمد في مسنده: حدّثنا تليد بن سليمان…»(9).
وروى ابن كثير الحديثين عن أبي هريرة وزيد بن أرقم بلا كلام في إسنادهما كذلك، قال: «وقال أحمد: حدّثنا تليد بن سليمان…» (قال) «وقد رواه النسائي من حديث أبي نعيم، وابن ماجة من حديث وكيع، وكلاهما من سفيان الثوري، عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف» (قال): «وقد رواه أسباط عن السدي عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم، فذكره»(10).
أقول: ويؤيّده الأحاديث الكثيرة الواردة بتراجم أمير المؤمنين، والحسن والحسين، وأهل البيت، في كتب الحديث والفضائل، فلا نطيل بذكرها.
وأقول: وكان من أسباب اختيارنا هذا اللفظ هو التمهيد لما أشار إليه العلاّمة رحمه اللّه من عداء معاوية ويزيد لأمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام.

(1) منهاج السنة 4 / 496.
(2) مسند أحمد بن حنبل 2 / 443.
(3) صحيح الترمذي ـ كتاب المناقب، فضائل فاطمة 5 / 656.
(4) سنن ابن ماجة ـ فضائل الحسن والحسين 1 / 52.
(5) المعجم الكبير 3 / 40 رقم: 2619، 2620، 2621.
(6) المستدرك على الصحيحين 3 / 149.
(7) تاريخ بغداد 7 / 137.
(8) سير أعلام النبلاء 2 / 122.
(9) سير أعلام النبلاء 3 / 258.
(10) البداية والنهاية 8 / 36.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *