بعث إليهم داعياً لا مقاتلاً

إنه بعث داعياً لا مقاتلاً
المطلب الأول: في أن خالداً بعث إليهم داعياً إلى الإسلام لا مقاتلاً:
يقول ابن تيمية: «أرسله إليهم بعد فتح مكة ليسلموا» فما معنى «ليسلموا»؟
لقد كانت بعوث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مختلفة.
فتارة بعث إلى قوم ليقاتلوا حتى يسلموا، كما روي بالنسبة إلى بعث خالد إلى بني الحارث بن كعب، قال ابن إسحاق: «ثم بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى، سنة عشر، إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، ثلاثاً، فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم..»(1).
وأخرى بعث إلى قوم يدعون إلى الإسلام، فإن استجابوا فهو وإلاّ لم يقاتلوا.
وقد كان بعث رسول اللّه خالداً إلى بني جذيمة من القسم الثاني، وهذا ما نصّ عليه أهل السيرة:
قال ابن إسحاق: «وقد بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى اللّه عزّ وجلّ، ولم يأمرهم بقتال، وكان ممن بعث خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً، ولم يبعثه مقاتلاً، فوطئ بني جذيمة، فأصاب منهم..
قال ابن إسحاق: فحدّثني حكيم بن حكيم بن عباد بن جنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة، داعياً ولم يبعثه مقاتلاً…»(2).
وقال الطبري: «وفيها كانت غزوة خالد بن الوليد بني جذيمة، وكان من أمره ما حدّثنا به ابن حميد قال: حدّثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم بعث فيما حول مكة السرايا تدعو إلى عز وجلّ ولم يأمرهم بقتال، وكان ممن بعث خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً، فوطئ بني جذيمة فأصاب منهم.
حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين افتتح مكة خالد بن الوليد داعياً، ولم يبعثه مقاتلاً…»(3).
وقال ابن سعد: «قالوا: بعثه إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً»(4).
وقال ابن الجوزي: «بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً…»(5).
وقال الذهبي: «قال ابن إسحاق: وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم السرايا فيما حول مكة يدعون إلى اللّه تعالى، ولم يأمرهم بقتال، فكان ممن بعث: خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً، فوطئ بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فأصاب منهم»(6).
وقال ابن الأثير: «وفي هذه السنة: كانت غزوة خالد بن الوليد بني جذيمة، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، قد بعث السرايا بعد الفتح فيما حول مكة يدعون الناس إلى الإسلام ولم يأمرهم بقتال، وكان ممن بعث خالد بن الوليد، بعثه داعياً ولم يبعثه مقاتلاً…»(7).
وقال ابن خلدون: «ثم بعث النبي صلى اللّه عليه وسلّم السرايا حول مكة ولم يأمرهم بقتال، ومن جملتهم خالد بن إلى إلى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فقتل منهم، وأخذ ذلك عليه»(8).
وقال ابن كثير: «قال ابن إسحاق: فحدّثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً…»(9).
وقال ابن حجر: «قال ابن سعد: بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم إليهم خالد بن الوليد ـ في ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار ـ داعياً إلى الإسلام لا مقاتلاً… قال ابن إسحاق: حدّثني.. قال: بعث رسول اللّه خالد بن الوليد حين افتتح مكة إلى بني جذيمة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً»(10).
وقال ابن سيد الناس: «بعثه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً»(11).
وقال الحلبي: «يدعوهم إلى الإسلام، أي: ولم يكن صلى اللّه عليه وسلم علم بإسلامهم. ولم يأمره بمقاتلتهم، أي: إذا لم يسلموا»(12).
وقال ابن القيم: «قال ابن سعد.. بعثه إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً»(13).
أقول:
هذه كلمات علماء «السيرة» أوردناها بنصوصها إيضاحاً لصدق قول العلاّمة رحمه اللّه: «فخانه وخالفه في أمره» وأن الكذب هو تكذيبه… .
ولقد حاول ابن تيمية بقوله «ليسلموا» التمويه والتخديع، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله لم يرسل خالداً إلى القوم «ليسلموا» أي: لأن يحملهم على الإسلام ولو بالسيف!! وإنما بعثه إليهم «داعياً» فقط.
وإذ كان مبعوثاً إليهم «داعياً» فقط، ولم يؤمر بقتالهم أصلاً، لم يجز له قتلهم، سواء قالوا: «أسلمنا» أو «لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا: صبأنا صبأنا». وسواء قبل خالد ذلك منهم أو لم يقبل ذلك وقال: «إن هذا ليس بإسلام»! فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إنما أرسله داعياً فقط!!
ولكن الحقيقة وواقع الأمر شيء آخر، كما ستعلم.

(1) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 592.
(2) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 428.
(3) تاريخ الطبري 3 / 66.
(4) الطبقات الكبرى 2 / 147.
(5) المنتظم 3 / 331.
(6) تاريخ الإسلام ـ المغازي: 567.
(7) الكامل في التاريخ 2 / 255.
(8) تاريخ ابن خلدون 4 / 810.
(9) البداية والنهاية 4 / 312.
(10) فتح الباري 8 / 46.
(11) عيون الأثر 2 / 185.
(12) السيرة الحلبية 3 / 209.
(13) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 / 167.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *