لعنه أمير المؤمنين على المنابر

لعنه أمير المؤمنين
قال قدس سره: ولعنه على المنابر، واستمرّ سبّه مدّة ثمانين سنة إلى أن قطعه عمر بن عبد العزيز
الشرح:
إن هنا أموراً نذكرها باختصار:
الأوّل: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله هو الذي سنّ بأمر من اللّه لعن معاوية وبني أمية قاطبة، وقد قال تعالى: (لَكُمْ في رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فاقتدى به المؤمنون في كلّ زمان، وكذا المنصفون من علماء العامة الأعيان.
الثاني: إن من المقطوع بصدوره عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قوله: «من سبّ عليّاً فقد سبّني»(1). ولا ريب ولا خلاف في أن من سبّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ فهو كافر.
والثالث: إن معاوية دأب على لعن أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعدها، واتخذ ذلك سنّة جارية في الخطب وغيرها، حتى أنه كان يعترض على بعض كبار الصحابة إذا امتنع من سبّه، فقد أخرج مسلم: «أمر معاوية سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه، خلّفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: أما ترضى.. وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية.. ولمّا نزلت هذه الآية (فَقُلْ تَعالَوْا…)..»(2).
أقول:
ومن امتناع سعد بن أبي وقاص ـ وهو أحد العشرة المبشرة عندهم ـ يزيد فظاعة فعل معاوية ظهوراً ووضوحاً، وهذا ما حمل بعض أولياء معاوية على التلاعب بمتن الخبر كما سننبه عليه.
والرابع: إنه قد ذكر الجاحظ في كتابه الذي وضعه للنواصب والردّ على الإمامية: إن معاوية كان يقول في آخر خطبته: اللهم العن أبا تراب، فإنه ألحد في دينك وصدّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً وعذبه عذاباً أليماً. قال: وكتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز.
وروي فيه أيضاً: «إن قوماً من بني أمية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين، إنك قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن هذا الرجل: فقال: لا واللّه حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر مفضلاً»(3).
والخامس: قال الحافظ السيوطي وغيره: «كان بنو أمية يسبّون علي بن أبي طالب في الخطبة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أبطله، وكتب إلى نوابه بإبطاله وقرأ مكانه (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْلإِحْسانِ) الآية. فاستمرت قراءتها إلى الآن»(4).

(1) أخرجه الحاكم وصححه وأقره الذهبي 3 / 121.
(2) صحيح مسلم 7 / 120.
(3) النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 90.
(4) تاريخ الخلفاء: 243.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *