إنكار ابن تيمية ذلك و الردّ عليه

الشرح:
استنكر ابن تيمية هذا القول، وقال بأنه «من البهتان الواضح الظاهر لكلّ أحد» قال: «وما أدري أهذا الرجل وأمثاله يتعمّدون الكذب، أم أعمى اللّه بصائرهم لفرط هواهم، حتى خفي عليهم أن هذا كذب… .
وذلك أنه من المعلوم أن كلّ واحدة من أزواج النبي يقال لها أم المؤمنين عائشة حفصة… . وقد قال اللّه تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)وهذا أمر معلوم للأمة علماً عاماً.
وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤلاء بعد موته… .
ولمّا كنّ بمنزلة الأمّهات في حكم التحريم دون المحرميّة، تنازع العلماء في إخوانهن هل يقال لأحدهم خال المؤمنين؟ فقيل: يقال لأحدهم خال المؤمنين، وعلى هذا، فهذا الحكم لا يختص بمعاوية… .
والذين أطلقوا على الواحد من أولئك أنه خال المؤمنين لم ينازعوا في هذه الأحكام، ولكن قصدوا بذلك الاطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي، واشتهر ذكرهم لذلك عن معاوية، كما اشتهر أنه كاتب الوحي وقد كتب الوحي غيره… .
ومعاوية لمّا كان له نصيب من الصحبة والاتصال برسول اللّه، وصار أقوام يجعلونه كافراً أو فاسقاً ويستحلّون لعنه ونحو ذلك، احتاج أهل العلم أن يذكروا ما له من الاتصال برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ليرعى بذلك حق المتصلين برسول اللّه بحسب درجاتهم. وهذا القدر لو اجتهد فيه الرجل وأخطأ، لكان خيراً له من أن يجتهد في بغضهم ويخطئ…»(1).
أقول:
لقد فكّر الرجل وقدّر، وفرّ وكرّ، وأرعد وأبرق، ثم اعترف بالحق ووقع في المأزق.. يقول العلاّمة: إن جميع نساء النبي صلّى اللّه عليه وآله أمّهات المؤمنين بحسب الآية المباركة، والحكم المذكور منطبق على جميعهن بلا تفاوت، فلماذا يسمّون «عائشة» بـ«أم المؤمنين» وكذا بـ«السيّدة»، ولا يسمّون بذلك «أم سلمة» وأمثالها، بل يسمّون أم سلمة بـ«الزوج النبي» وكذا غيرها، وهذا ما لا يخفى على من يراجع كتبهم في الحديث والسير، فانظر مثلا ما يعنون به أحمد بن حنبل في مسنده لدى إيراد أخبارهنّ والنقل عنهنّ.
بل لقد تمادوا في ذلك حتى وضعوه على لسان النبي صلّى اللّه عليه وآله، فقد روى المحبّ الطبري في (الرياض النضرة) حديثاً عنه صلّى اللّه عليه وآله جاء فيه: «ثم قال: يا عائشة: أنا سيد المرسلين وأبوك أفضل الصدّيقين وأنت أم المؤمنين»(2).
فإنه يفيد اختصاصها بهذه المنزلة كاختصاص النبي الأكرم بكونه «سيد المرسلين» واختصاص أبيها بما ذكر… .
فأعود وأقول: «ما أدري أهذا الرجل وأمثاله يتعمّدون الكذب، أم أعمى اللّه بصائرهم لفرط هواهم»؟! لأنهم إذا كانوا يرون جميع الأزواج أمهات المؤمنين، فما معنى وضعهم مثل هذا الحديث؟ وما معنى وصفهم لعائشة بذلك دون غيرها؟
ويقول العلاّمة رحمه اللّه: إنه بناء على صحة إطلاق «خال المؤمنين» على إخوة أزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله، فإن مقتضى القاعدة أن يكون أخو التي جعلوها أفضلهنّ أحق بأن يشتهر بهذا اللّقب ويدعى به من أخي غيرها… .
ولمّا كانت عائشة أفضلهنّ عندهم وأشهرهن بلقب «أم المؤمنين» و«السيدة»، كان ينبغي أن يكون أخوها «محمد بن أبي بكر» الأحق والأشهر بلقب «خال المؤمنين» لكنهم خصوا «عائشة» بلقب «أم المؤمنين» وجعلوا خال المؤمنين من بين إخوتهن «معاوية»، فلم يشتهر «محمد» باللقب المذكور، مع كونه أخا «عائشة» وابن أبي بكر خليفتهم الأوّل، ومع كونه أفضل وأتقى من معاوية، مع ما ورد في معاوية من اللعن والذم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كما سيأتي.

(1) منهاج السنّة 4 / 372.
(2) الرياض النضرة في مناقب العشرة 1 / 35.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *