نقل الأخبار في ذلك عن المؤرّخين

وقول ابن تيمية: «هذا كذب عليها، فإنها لم تخرج لقصد القتال»(1) هو الكذب، وإلا فما معنى: «نسير إلى علي فنقاتله»؟
وأي معنى لما كتبته إلى زيد بن صوحان؟
وأيّ معنى لما جاء في كتابها إلى حفصة؟
ثم ألم تأمر بقتل عثمان بن حنيف بعد الغدر به؟
ألم تأمر بقتل السبابجة من غير ذنب؟
ألم تحرّض الأزد وبني ضبّة والقبائل الأخرى على القتال؟
ثم قال ابن تيمية: «وأمّا قوله: إن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان.
فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال هذا من أظهر الكذب وأبينه، فإن جماهير المسلمين لم يأمروا بقتله ولا شاركوا في قتله ولا رضوا بقتله، وغاية ما يقال إنهم لم ينصروه حق النصرة، وأنه حصل نوع من الفتور والخذلان، حتى تمكن أولئك المفسدون، ولهم في ذلك تأويلات»(2).
أقول:
لقد اعترف الرجل بأن المسلمين قتلوا عثمان، غير أن جمعاً منهم باشروا القتل، وأن الآخرين خذلوه، وهذا ليس إلا تهذيباً للعبارة، وإلا فمن المعلوم أن الجميع ما باشروا القتل، لأنه أمر غير ممكن… وعلى الجملة، فإن خيار المسلمين هم الذين قتلوا عثمان وسائر الناس تبع لهم… .
ولو كان هذا الرجل يدّعي أن الذين ثاروا على عثمان ـ وانتهى الأمر إلى قتله ـ هم الأقلّ، فليسمّ لنا طائفة من الأكثر؟ ولماذا لم يدفعوا أولئك الأقليّة المفسدين حسب تعبيره؟
لقد قتله الكلّ بين مباشر وخاذل «ولهم في ذلك تأويلات» كما قال، فأين الكذب في كلام العلاّمة؟
قال: «وأمّا قوله: إن عائشة كانت في كلّ وقت تأمر بقتل عثمان وتقول في كلّ وقت: اقتلوا نعثلاً قتل اللّه نعثلاً، ولمّا بلغها قتله فرحت بذلك.
فيقال له أوّلاً: أين النقل الثابت عن عائشة بذلك؟
ويقال ثانياً: إن المنقول عن عائشة يكذّب ذلك ويبين أنها أنكرت قتله، وذمّت من قتله ودعت على أخيها محمد وغيره لمشاركتهم في ذلك.
ويقال ثالثاً: هب أن واحداً من الصحابة عائشة أو غيرها قال في ذلك كلمة على وجه الغضب، لإنكاره بعض ما ينكر، فليس قوله حجة ولا يقدح في إيمان القائل ولا المقول له…»(3).

(1) منهاج السنّة 4 / 321.
(2) منهاج السنّة 4 / 323.
(3) منهاج السنّة 4 / 330.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *