الردّ عليه بذكر رواة حديث: ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر الأحاديث في أنّ عليّاً هو الصدّيق

أقول:
أوّلاً: قوله: هذا الحديث لم يروه الجماعة، ولا هو في الصحيحين ولا هو في السنن. يكذّبه أنه قد أخرجه من أصحاب السنن:
الترمذي بسنده عن عبد اللّه بن عمرو قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر. قال: وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي ذر. قال: وهذا حديث حسن».
وبسنده عن أبي ذر: «قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة، أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم عليه السلام. فقال عمر بن الخطاب كالحاسد: يا رسول اللّه أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له. قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»(1).
وابن ماجة، بسنده عن عبد اللّه بن عمرو قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر»(2).
وأخرجه أصحاب المسانيد، كأحمد حيث روى بسنده عن عبد اللّه بن عمرو قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر»(3).
وهو في المستدرك من حديث أبي ذر، وعبد اللّه بن عمرو، وأبي الدرداء، قال: «هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه».
وأقرّه الذهبي على التصحيح كما ذكره(4).
ومن رواته أيضاً: ابن سعد، والبغوي، وابن عبد البر، والهيثمي، وابن حجر العسقلاني وغيرهم.
وثانياً: قوله: «لم يرد به أن أبا ذر أصدق من جميع الخلق، فإن هذا يلزم منه… وهذا خلاف إجماع المسلمين..».
فيقال في جوابه: نلتزم بكون معناه ذلك ونرفع اليد بقدر الإجماع، وأي مانع من ذلك؟
وثالثاً: قوله: «التصديق قد يراد به الكامل في الصّدق، وقد يراد به الكامل في التصديق».
اعتراف بصحّة تسمية الكامل في الصّدق (صدِّيقاً). فلو كان المراد من الحديث هو (الكامل في الصّدق) دون (الكامل في التصديق)، فلماذا لم يسموا أبا ذر بـ(الصدّيق) بالإعتبار الأوّل؟ وهذا هو الإشكال.
ورابعاً: قوله: «فإن أبا ذر لم يعلم…».
توجيه لتسميتهم أبا بكر بـ(الصدّيق) من عند أنفسهم، وإقرار بما ذكره العلاّمة رحمه اللّه من أنهم لم يسمّوا أبا ذر بهذا اللّقب، مع ورود الحديث الصحيح به، وأنهم سمّوا أبا بكر به من عند أنفسهم.
وأما الحديثان اللّذان ذكرهما ابن تيمية، فليسا ـ على فرض صحتهما عندهم ـ حجةً علينا، مع أن الوارد في حق أبي ذر متفق عليه.
لكن راوي الأوّل للبخاري هو (محمد بن بشار) وقد كذّبه الفلاّس، وتكلّم فيه غير واحد كما ذكر الذهبي(5) وابن حجر العسقلاني(6).
وهو عن (قتادة عن أنس).
فأمّا (قتادة)، فقد تكلّم فيه غير واحد وقالوا: كان يدلّس(7).
وأمّا (أنس) فانحرافه عن علي، وكذبه في أكثر من مورد معروف.
والحديث الثاني عن عائشة، وهي متّهمة في مثل هذه الموارد، وانحرافها عن علي معروف كذلك.
على أن الراوي عنها: (عبد الرحمن بن سعيد بن وهب) لم يدركها، كما نصّ الحفاظ(8) فالرواية مرسلة.
أقول:
إن أخبار القوم المشتملة على وصف أبي بكر بـ(الصدّيق) كثيرة، لكنها كلّها مكذوبة موضوعة، حتى اضطرّوا إلى درجها في أمثال (الموضوعات) و(اللآلي المصنوعة)، ومنها ما ذكره الذهبي وكذّب به في (ميزان الاعتدال) وتبعه ابن حجر في (لسان الميزان).
وقد وضعت تلك الأخبار في مقابلة الأحاديث الصحيحة المعتبرة من طرق القوم، في وصف أمير المؤمنين عليه السلام بـ(الصدّيق) و(الصدّيق الأكبر).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «أنا عبد اللّه وأخو رسوله وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذّاب مفتري».
أخرجه الحاكم وصحّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو بسند صحيح في سنن ابن ماجة والخصائص للنسائي(9).
ورواه الطبري وابن الأثير وابن كثير في تواريخهم في ترجمة الإمام عليه السلام، وهو في تهذيب الكمال وتاريخ ابن عساكر، وله مصادر أخرى كثيرة.

(1) سنن الترمذي 5 / 334.
(2) سنن ابن ماجة 1 / 55.
(3) مسند أحمد 2 / 163.
(4) المستدرك على الصحيحين 3 / 342.
(5) ميزان الاعتدال 3 / 490.
(6) مقدمة فتح الباري: 437.
(7) ميزان الاعتدال 3 / 385، مقدمة فتح الباري: 435.
(8) تهذيب التهذيب 6 / 169.
(9) المستدرك على الصحيحين 3 / 112، سنن ابن ماجة 1 / 44، خصائص علي: 46.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *