2 ـ الإفتراء و الكذب: كخبر خطبة الإمام ابنة أبي جهل

2 ـ الإفتراء و الكذب: كفرية خطبة أمير المؤمنين عليه السلام ابنة أبي جهل، فإنه يعتمد عليها في غير موضع، ويدّعي أنها السبب في قوله صلّى اللّه عليه وآله: فاطمة بضعة مني… وينسب رواية ذلك إلى علي بن الحسين… وهذه عباراته المشتملة عليها وعلى أباطيل أخرى:
«ولو دار الحق مع علي حيثما دار لوجب أن يكون معصوماً كالنبي صلّى اللّه عليه وآله، وهم من جهلهم يدّعون ذلك. ولكن من علم أنه لم يكن بأولى بالعصمة من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وليس فيهم من هو معصوم، علم كذبهم، وفتاويه من جنس فتاوي أبي بكر وعمر وعثمان، ليس هو أولى بالصّواب منهم، ولا في أقوالهم من الأقوال المرجوحة أكثر مما قاله، ولا كان ثناء النبي صلّى اللّه عليه وآله ورضاه عنه، بأعظم من ثنائه عليهم ورضائه عنهم، بل لو قال القائل: إنه لا يعرف من النبي أنه عتب على عثمان في شيء وقد عتب على علي في غير موضع لما أبعد. فإنه لما أراد أن يتزوّج بنت أبي جهل واشتكته فاطمة لأبيها وقالت: إن الناس يقولون إنك لا تغضب لبناتك فقام خطيباً، وقال: إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوّجوا بنتهم علي بن أبي طالب، وإني لا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ويزوج ابنتهم، فإنما فاطمة بضعة مني.. وهو حديث ثابت صحيح أخرجاه في الصحيحين».
«أمّا قوله: رووا جميعاً أن فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني ومن آذاني آذى اللّه. فإن هذا الحديث لم يرو بهذا اللّفظ بل روي بغيره، كما ذكر في حديث خطبة علي لابنة أبي جهل، والسبب داخل في اللّفظ قطعاً، إذ اللفظ الوارد على السبب لا يجوز إخراج سببه منه، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق، وقد قال في الحديث: (يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها) ومعلوم قطعاً أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها، والنبي رابه ذلك وآذاه، فإن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله، لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب، وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله، كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي. وإن قيل: إن علياً تاب من تلك الخطبة ورجع عنها. قيل: فهذا يقتضي أنه غير معصوم. وإذا جاز أن من راب فاطمة وآذاها يذهب بتوبته، جاز أن يذهب بغير ذلك من الحسنات الماحية، فإن ما هو أعظم من هذا الذنب تذهبه الحسنات الماحية والتوبة والمصائب المكفّرة».
«إن فاطمة إنما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها، فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها، كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب. وهذا حال أبي بكر وعمر، فإنهما احترزا أن يؤذيا أباها أو يريبانه بشيء. فإنه عهد عهداً وأمر أمراً، فخانا إن غيّرا عهده وأمره أن يغضب، لمخالفة أمره وعهده ويتأذى بذلك، وكلّ عاقل يعلم أن رسول اللّه إذا حكم بحكم وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك الحكم، كان مراعاة حكم النبي أولى، فإن طاعته واجبة ومعصيته محرّمة، ومن تأذّى لطاعته كان مخطئاً في تأذيه بذلك، وكان الموافق لطاعته مصيباً في طاعته. وهذا بخلاف من آذاها لغرض بعينه لا لأجل طاعة اللّه ورسوله.
ومن تدبّر حال أبي بكر في رعايته لأمر النبي، وأنه إنما قصد طاعة الرسول لا لأمر آخر، علم أن حاله أكمل وأفضل وأعلى من حال علي.. المقصود أنه لو قدّر أن أبا بكر آذاها فلم يؤذها لغرض نفسه، بل ليطيع اللّه ورسوله، ويوصل الحق إلى مستحقه، وعلي رضي اللّه عنه كان قصده أن يتزوّج عليها، فله في أذاها غرض، بخلاف أبي بكر. فعلم أن أبا بكر كان أبعد أن يذمّ بأذاها من علي، وأنه إنما قصد طاعة اللّه ورسوله بما لاحظّ له فيه، بخلاف علي، فإنه كان له حظّ فيما رابها به… .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *