الكلام في متعة النساء / كلام ابن تيميّة

وأمّا متعة النساء، فقد قال ابن تيمية ما نصّه:
«وأما متعة النساء المتنازع فيها، فليس في الآية نص صريح بحلّها، فإنه تعالى قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ). فقوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) يشمل كلّ من دخل بها، أما من لم يدخل بها فإنها لا تستحق إلا نصف المهر… .
فإن قيل: في قراءة طائفة من السلف: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى.
قيل:
أولاً: ليست هذه القراءة متواترة، وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد، ونحن لا ننكر أن المتعة أحلّت في أوّل الإسلام، لكن الكلام في دلالة القرآن عليها.
الثاني: أن يقال: إن كان هذا الحرف نزل، فلا ريب أنه ليس ثابتاً من القراءة المشهورة، فيكون منسوخاً، ويكون لما كانت المتعة مباحة، فلما حرّمت نسخ هذا الحرف، أو يكون الأمر بالإيتاء في الوقت تنبيهاً على الإيتاء في النكاح المطلق. وغاية ما يقال: إنهما قراءتان وكلاهما حق، والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلى أجل واجب إذا كان ذلك حلالاً، وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلى أجل مسمى حلالاً. وهذا كان في أوّل الإسلام، فليس في الآية ما يدلّ على أن الإستمتاع بها إلى أجل مسمّى حلال، فإنه لم يقل: وأحلّ لكم أن تستمتعوا بهنّ إلى أجل مسمّى. بل قال: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع سواء كان حلالاً أم وطي شبهة، ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنّة والاتفاق، والمتمتع إذا اعتقد حلّ المتعة وفعلها فعليه المهر، وأما الاستمتاع المحرّم فلم تتناوله الآية، فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنا ولا مهر فيه، وإن كانت مستكرهة، ففيه نزاع مشهور.
وأمّا ما ذكره من نهي عمر عن متعة النساء، فقد ثبت عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه حرّم متعة النساء بعد الإحلال. هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد اللّه والحسن ابني محمد بن الحنفية، عن أبيهما محمد بن الحنفيّة عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال لابن عباس رضي اللّه عنه لما أباح المتعة: إنك امرؤ تائه، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهليّة عام خيبر.
رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنّة وأحفظهم لها أئمة الإسلام في زمنهم، مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما، ممن اتفق على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح يتلقّى بالقبول، ليس في أهل العلم من طعن فيه.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرّمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة… .
وروي عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه رجع عن ذلك لمّا بلغه حديث النهي.
فأهل السنّة يتّبعون عمر وعليّاً رضي اللّه عنهما وغيرهما من الخلفاء الراشدين، فيما رووه عن النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم، والشيعة خالفوا عليّاً فيما رواه عن النبي صلّى اللّه عليه وآله واتبعوا قول من خالفه.
وأيضاً: فإن اللّه تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين، والمتمتع بها ليست واحدة منهما، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا، ولوجب عليها عدّة الوفاة، ولحقها الطلاق الثلاث. فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب اللّه تعالى، فلمّا انتفى عنها لوازم النكاح دلّ على انتفاء النكاح، لأن انتفاء اللاّزم يقتضي انتفاء الملزوم.. فتكون حراماً بنصّ القرآن..»(1).
أقول:
ويتلخّص كلام ابن تيمية هنا في نقاط:
1 ـ الآية الكريمة لا تدلّ على حليّة نكاح المتعة.
2 ـ النبي صلّى اللّه عليه وآله حرّم المتعة بعد الإحلال.
3 ـ أن اللّه أباح الزوجة وملك اليمين وحرّم ما عداهما، والمتمتع بها ليست بزوجة، لانتفاء لوازم النكاح فيها. فالمتعة حرام.

(1) منهاج السنّة 3 / 191.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *