عمدة الدليل من السنة على الغسل: حديث الأعقاب. و النظر فيه سنداً و دلالةً

عمدة الدليل من السنة على الغسل
وقد لاحظنا أنهم، بعد الاعتراف بدلالة الكتاب على المسح، يقولون بضرورة رفع اليد عن ذلك، للأخبار الحاكية لأمره صلّى اللّه عليه وآله بالغسل، وقد وجدنا النص على ذلك في العبارات المنقولة عنهم سابقاً، وكان منهم الفخر الرازي.. فنقول:
أوّلاً: إنا لا نسلّم ورود الأخبار الكثيرة حتى من طرقهم بإيجاب الغسل، سلّمنا كثرتها، ولكنها أحاديث غير متواترة، إذ لو كانت متواترة لصرّحوا بذلك، والآحاد لا يجوز أن تنسخ الكتاب كما ذكر الرازي وغيره.
ومن هنا يعلم أن الرازي أقرب إلى الحق والإنصاف في هذا الموضع من ابن تيمية الذي يقول: «فإن جاز أن يقال إنهم كذبوا وأخطأوا فيما نقلوه عنه من ذلك، كان الكذب والخطأ فيما نقلوه من لفظ الآية أقرب إلى الجواز» هذا كلامه ونعوذ باللّه منه! قال: «وإن قيل: بل لفظ الآية ثبت بالتواتر الذي لا يمكن الخطأ فيه، فثبوت التواتر في لفظ الوضوء عنه أولى وأكمل».
وهل يقابل القرآن المتواتر الدالّ على وجوب المسح، بدعوى التواتر في (لفظ الوضوء) عن النبي صلّى اللّه عليه وآله للدلالة على وجوب الغسل؟
وثانياً: أن تلك الأخبار معارضة بأخبار صحيحة مثلها، ومن أشهرها ما عن وصيّ الرسول وما عن حبر الأمة عبد اللّه بن عباس، وقد ذكر الرازي وغيره القول بوجوب المسح عنهما وعن أنس بن مالك وجماعة.
الكلام على حديث الأعقاب
ثم إن عمدة ما يستدلّون به لوجوب الغسل، كما هو صريح جماعة(1) وتبعهم ابن تيمية، هو حديث«ويل للأعقاب من النار» حتى جعله القرطبي: «القاطع في الباب»… وقد أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما(2) ونحن نكتفي بالتكلّم على ما روياه:
أمّا سنداً، فمداره عند البخاري على «موسى بن إسماعيل التبوذكي» وهو ممن تكلّم فيه من رجاله كما ذكر ابن حجر(3)، ونقل عن الحافظ ابن خراش قوله فيه: «تكلّم الناس فيه» ومن هنا أورده الذهبي في ميزانه(4).
ومداره عند مسلم على «جرير بن عبد الحميد الضبي» وهو أيضاً ممن تكلّم فيه(5) وذكر ابن حجر بترجمته كلمات حوله(6) وأورده الذهبي في ميزانه(7).

(1) المبسوط 1 / 8 ، معالم التنزيل 2 / 16، المحلى 2 / 56، القرطبي 6 / 94، فتح الباري 1 / 213، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 71 ـ 72، الكواكب الدراري 2 / 8 وغيرها.
(2) صحيح البخاري 1 / 21 و 32 و 49، صحيح مسلم 1 / 147 ـ 148.
(3) مقدمة فتح الباري: 446.
(4) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 4 / 200.
(5) مقدمة فتح الباري: 392.
(6) تهذيب التهذيب 2 / 65.
(7) ميزان الاعتدال 1 / 394.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *