الاستدلال على أنّ الواجب هو المسح بالكتاب و السنّة كما في روايات الفريقين و وجود القول بالمسح بين أهل السنّة، وبطلان دعوى اختصاصه بالشيعة

فلنشرح المسألة ببعض التفصيل، ولننقل أقوال علمائهم وما اشتملت عليه من الاضطراب والتضليل، فيظهر أن الغسل بدعة والمسح هو الأصل الأصيل، فنقول:
ذهبت الشيعة الإثنا عشرية إلى أن الحكم في الأرجل هو المسح فرضاً معيّناً، من غير خلاف بينهم، حتى أصبح من جملة شعائر مذهبهم التي بها يعرفون وعن غيرهم يتميّزون.
واختلف الآخرون، بين قائل بالمسح كذلك، وقائل بالجمع بين المسح والغسل، وقائل بالتخيير بينهما، وقائل بالغسل على التعيين، وقد ظلّ هذا الخلاف قائماً بينهم، حتى استقرّ مذهب الجمهور من أهل السنّة على القول بالغسل، وذلك في القرن الرابع، أي بعد الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310، وسنذكر رأيه في المسألة فيما بعد.
والمهم الآن التأكيد على وجود القول بالمسح بين أهل السنّة سابقاً، وهذا ما جاء في كلام غير واحد:
قال السرخسي: «من الناس من قال: وظيفة الطهارة في الرجل المسح»(1).
وقال ابن رشد: «اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضوء، واختلفوا في نوع طهارتهما، فقال قوم: طهارتهما الغسل وهم الجمهور، وقال قوم: فرضهما المسح، وقال قوم: بل طهارتهما تجوز بالنوعين الغسل والمسح…»(2).
وقال ابن كثير: «وقد روي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح»(3).
ويزيد ما ذكرناه تأكيداً ووضوحاً قول أحدهم: «إن القول بكلّ من الغسل والمسح مرويّ عن السّلف من الصحابة والتابعين، ولكن العمل بالغسل أعمّ وأكثر، وهو الذي غلب واستمر»(4).
تجد في هذه الكلمات أن القول بالمسح الذي عليه الشيعة، كان قولاً شائعاً بين الصحابة والتابعين وغيرهم، غير أن أهل السنّة (أوجبوا الغسل) على التعيين في القرون المتأخرة (وهو الذي غلب واستمر)!
فما في ظاهر كلام بعضهم ـ كابن كثير ـ من اختصاص المسح بالشيعة وأنه ضلالة(5) باطل.
بل لقد أفرط بعضهم، فنسب القول بالمسح إلى (أهل البدع)، كالشهاب الخفاجي حيث قال: «ومن أهل البدع من جوّز المسح على الأرجل بدون الخفّ، مستدلاًّ بظاهر الآية، وللشريف المرتضى كلام في تأييده تركناه لإجماع أهل السنّة على خلافه»(6).
وأقبح من ذلك كلام الآلوسي، فإنه كذب وشتم وأساء الأدب حيث قال: «وما يزعمه الإمامية من نسبة المسح إلى ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما وأنس بن مالك وغيرهما، كذب مفترى عليهم… ونسبة جواز المسح إلى أبي العالية وعكرمة والشعبي، زور وبهتان أيضاً، وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح أو التخيير بينهما إلى الحسن البصري عليه الرحمة، ومثله نسبة التخيير إلى محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير والتفسير الشهير.
وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلقة، ورواها بعض أهل السنّة ممن لم يميّز الصحيح والسقيم من الأخبار بلا تحقق ولا سند، واتسع الخرق على الراقع»(7).

(1) المبسوط في فقه الحنفية 1 / 8.
(2) بداية المجتهد 1 / 16.
(3) تفسير القرآن العظيم 2 / 27.
(4) تفسير المنار 6 / 234.
(5) تفسير القرآن العظيم 2 / 28.
(6) حاشية الشهاب على البيضاوي 3 / 221.
(7) روح المعاني 6 / 77 ـ 78.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *