منعهم سنن الشريعة لأنها شعار للشيعة

شرح منهاج الكرامة في معرفة الامامة
لأبي منصور الحسن يوسف الشهير بالعلامة الحلي
والردّ على منهاج السنّد لابن تيميّة

الجزء الثاني

التأليف
السيد علي الحسيني الميلاني

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الوجه الخامس

من الوجوه الدالّة على أن مذهب الإماميّة واجب الاتّباع

الوجه الخامس
قال قدس سره: إن الإمامية لم يذهبوا إلى التعصب في غير الحق.
فقد ذكر الغزالي والماوردي ـ وكانا إمامين للشافعية ـ أن تسطيح القبور هي المشروع، لكن لما جعلته الرافضة شعاراً لهم عدلنا عنه…!
الشرح:
الغزالي هو: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي المتوفى سنة 505. له مؤلفات كثيرة في العلوم، أشهرها إحياء علوم الدين، له ترجمة في كافة المصادر، وقد أفردت بالتأليف أيضاً.
والماوردي هو: أبو الحسن علي بن محمد البصري الفقيه الشافعي المتوفى سنة 450، له الحاوي الكبير في فروع فقه الشافعي. له ترجمة في كافة المصادر كذلك، مثل: تاريخ بغداد 12 / 102، سير أعلام النبلاء 18 / 64، طبقات السبكي 5 / 267 وغيرها.

منعهم سنن الشريعة لأنها شعار للشيعة
تسطيح القبور
وما ذكره العلاّمة نصّ عليه الغزالي في كتابه (الوجيز) في الفقه، وأوضحه شارحه، وهذه عبارته: «التسنيم أفضل من التسطيح، مخالفة لشعار الروافض». قال الشارح:
«الأفضل في شكل القبر التسطيح أو التسنيم؟ ظاهر المذهب: أن التسطيح أفضل، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهم اللّه: التسنيم أفضل.
لنا: أن النبي صلّى اللّه عليه وآله سطّح قبر ابنه إبراهيم. وعن القاسم بن محمد قال: رأيت قبر النبي وأبي بكر وعمر مسطحة.
وقال ابن أبي هريرة: إن الأفضل الآن العدول من التسطيح إلى التسنيم; لأن التسطيح صار شعاراً للروافض، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام بالبدعة. ومثله ما حكي عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعاراً لهم فالمستحب الإسرار بها مخالفة لهم، واحتج له بما روي أن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان يقوم إذا بدت جنازة، فأخبر أن اليهود تفعل ذلك، فترك القيام بعد ذلك مخالفة لهم. وهذا الوجه هو الذي أجاب به في الكتاب ومال إليه الشيخ أبو محمد رحمه اللّه، وتابعه القاضي الروياني.
لكن الجمهور على أن المذهب الأول، قالوا: ولو تركنا ما ثبت في السنّة لإطباق بعض المبتدعة عليه لجرّنا ذلك إلى ترك سنن كثيرة، وإذا اطرد جرينا على الشيء، خرج عن أن يعدّ شعاراً للمبتدعة»(1).
وقال ابن قدامة: «وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري، وقال الشافعي: تسطيحه أفضل، قال: وبلغنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سطّح قبر ابنه إبراهيم. وعن القاسم قال: رأيت قبر النبي وأبي بكر وعمر مسطّحة. ولنا: ما روى سفيان التمَّار أنه قال: رأيت قبر النبي مسنَّماً. رواه البخاري بإسناده. وعن الحسن مثله، لأن التسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا، وهو أشبه بشعار أهل البدع، فكان مكروهاً. وحديثنا أثبت من حديثهم وأصح، فكان العمل به أولى»(2).
وذكر النووي القولين وأدلّتهما فقال: «تسطيح القبر وتسنيمه وأيّهما أفضل؟ فيه وجهان.
والصحيح: التسطيح أفضل، وهو نصّ الشافعي في الأم ومختصر المزني، وبه قطع جمهور أصحابنا المتقدّمين، وجماعات من المتأخرين منهم الماوردي والفوراني والبغوي وخلائق، وصحّحه جمهور الباقين، كما صحّحه المصنّف، وصرّحوا بتضعيف التسنيم كما صرّح به المصنف.
والثاني: التسنيم أفضل، حكاه المصنف عن أبي علي الطبري. والمشهور في كتب أصحابنا العراقيين والخراسانيين أنه قول علي بن أبي هريرة، وممن حكاه عنه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والشاشي وخلائق من الأصحاب. وممن رجّح التسنيم من الخراسانيين الشيخ أبو محمد الجويني والغزالي والرّوياني والسرخسي، وادّعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب، وليس كما قال، بل أكثر الأصحاب على تفضيل التسطيح، وهو نصّ الشافعي كما سبق، وهو مذهب مالك وداود.
وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد ـ رحمهم اللّه ـ التسنيم أفضل لكون التسطيح شعار الرافضة.
فلا يضرّ موافقة الرافضي لنا في ذلك، ولو كانت موافقتهم لنا سبباً لترك ما وافقوا فيه لتركنا واجبات وسنناً كثيرة.
فإن قيل: صححتم التسطيح، وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه اللّه عن سفيان التمار قال: رأيت قبر النبي مسنَّماً.
فالجواب: ما أجاب به البيهقي ـ رحمه اللّه، قال: صحّت رواية القاسم بن محمد السّابقة المذكورة في الكتاب، وصحت هذه الرواية، فنقول: القبر غُيِّر عمّا كان، فكان أول الأمر مسطّحاً كما قال القاسم، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك وقيل في زمن عمر بن عبد العزيز، أصلح فجعل مسنَّماً.
قال البيهقي: وحديث القاسم أصح وأولى أن يكون محفوظاً، واللّه أعلم»(3).
أقول:
فقد ظهر أن الأصل في هذه البدعة هم بنو أمية، وهم الذين بدّلوا دين اللّه، وعادوا أولياء اللّه، وخالفوهم حتى في مثل هذه المسائل، وتبعهم من تبع من الفقهاء، واللّه العاصم.

(1) فتح العزيز في شرح الوجيز 5 / 229، مع المجموع للنووي 5 / 295 ـ 297.
(2) المغني في الفقه الحنبلي 2 / 385.
(3) المجموع في شرح المهذب 5 / 297 ـ 297.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *