7 ـ المهدي من ولد الحسين. و بطلان ما روي من أنه من ولد الحسن

7 ـ المهدي من ولد الحسين
وتعتقد الشيعة الاثنا عشرية بأن المهدي من ولد الإمام الشهيد السبط أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام، وأخبارهم بذلك متواترة، وتوافقت معها روايات أهل السنّة ـ في قسم منها ـ فكان هذا القول هو المتفق عليه بين الفريقين، كما سيأتي ذكر أسماء جماعة من مشاهير أهل السنّة في الحديث والتاريخ وغيرهما القائلين بأن المهدي ابن الإمام الحسن الزكي العسكري عليه السلام، من ولد الحسين.
وانفردت كتب أولئك القوم بروايات تفيد أنه من ولد الإمام الحسن السبط الأكبر عليه السلام، وبه قال جماعة منهم:
قال الشيخ علي القاري: «واختلف في أنه من بني الحسن أو من بني الحسين. ويمكن أن يكون جامعاً بين النسبتين الحسنين، والأظهر أنه من جهة الأب حسني، ومن جانب الأم حسيني، قياساً على ما وقع في ولدي إبراهيم وهما إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، حيث كان أنبياء بني إسرائيل كلّهم من بني إسحاق، وإنما نبّئ من ذريّة إسماعيل نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وقام مقام الكلّ، ونعم العوض وصار خاتم الأنبياء، فكذلك لما ظهرت أكثر الأئمة وأكابر الأمة من ولد الحسين، فناسب أن ينجبر الحسن بأن أعطي له ولد يكون خاتم الأولياء ويقوم مقام سائر الأصفياء.
على أنه قد قيل: لما نزل الحسن رضي اللّه تعالى عنه عن الخلافة الصورية ـ كما ورد في منقبته في الأحاديث النبوية أعطي له لواء ولاية المرتبة القطبية، فالمناسب أن يكون من جملتها النسبة المهدوية المقارنة للنبوة العيسوية، واتفاقها على إعلاء كلمة الملّة النبوية على صاحبها ألوف السلام وآلاف التحيّة.
وسيأتي في حديث أبي إسحاق عن علي كرم اللّه تعالى وجهه ما هو صريح في هذا المعنى. واللّه تعالى أعلم»(1).
أقول:
أوّلاً: إن قضيّة (المهدي) من الأمور الغيبية التي أخبر عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ـ كما أخبر عن القبر والقيامة وأحوالها، وعن الفتن والملاحم وعن أشراط الساعة وقضايا الدجّال وغير ذلك ـ ولا يجوز الإعتماد في مثل هذه الأمور الإعتقادية إلا على الأخبار الصحيحة المتقنة الواردة عنه، فكيف بمثل ما ذكره القاري من الاستحسانات والتخيّلات التي صنعتها الأفكار الفاسدة والأوهام الكاسدة.
وعلى الجملة، فإنه لا يجوز الإعتقاد بشيء استناداً إلى (القيل) و(المناسب أن يكون…) وما هو من هذا القبيل.
وثانياً: إن هذا الوجه الذي ذكره لأن يكون(المهدي)من ولد (الحسن) وهو (تنازل الحسن عن الخلافة) إن هو إلاّ وجه اصطنعه القوم في مقابل ما ورد في أخبار أهل البيت عليهم السّلام من أن اللّه سبحانه جعل (المهدي) من ولد (الحسين)، لاستشهاده في سبيل اللّه وحفظاً لدينه من كيد المنافقين من بني أمية وغيرهم.
وثالثاً: قوله: «وسيأتي في حديث أبي إسحاق…» يفيد أن الحديث المشار إليه هو عمدة القائلين بأن (المهدي) من ولد (الحسن) لا (الحسين) وهذا هو الكلام عليه بالتفصيل:
فقد أخرج صاحب المشكاة عن أبي إسحاق قال: «قال علي ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ قال: إن ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وسيخرج من صلب رجل يسمى باسم نبيّكم، يشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلق. ثم ذكر قصة: يملأ الأرض عدلاً. رواه أبو داود ولم يذكر القصة»(2).
قال القاري بشرحه: «فهذا الحديث دليل صريح على ما قدّمناه من أن المهدي من أولاد الحسن ويكون له انتساب من جهة الأم إلى الحسين، جمعاً بين الأدلّة، وبه يبطل قول الشيعة: إن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر، فإنه حسيني بالإتفاق.
لا يقال: لعلّ عليّاً رضي اللّه تعالى عنه أراد به غير المهدي.
فإنا نقول: يبطله قصّة يملأ الأرض عدلاً، إذ لا يعرف في السّادات الحسينيّة ولا الحسنية من ملأ الأرض عدلاً إلا ما ثبت في حق المهدي الموعود»(3).
أقول: إنه لا دليل في الأصول الستة المسمّاة بالصّحاح عند القوم، على أن (المهدي) من ولد (الحسن) إلا هذا الحديث، وهو ليس إلا في (سنن أبي داود).
قال ابن الأثير: (]د ـ أبو إسحاق، عمرو بن عبد اللّه السبيعي رحمه اللّه قال: قال علي ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ فقال:… ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً[ أخرجه أبو داود ولم يذكر القصة»(4).
وقال الشيخ منصور: «عن علي رضي اللّه عنه قال وقد نظر إلى ابنه الحسن: إن ابني هذا سيد كما سمّاه النبي صلّى اللّه عليه وآله، وسيخرج من صلبه رجل يسمّى باسم نبيّكم يشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلق. وعنه عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: يخرج رجل من وراء النهر… رواهما أبو داود»(5).
أقول: إذا كان هذا هو الدليل الوحيد للقول بأن (المهدي) من ولد (الحسن)، فلابدّ من التأمل فيه سنداً ولفظاً ومدلولاً:
أمّا سند الحديث، فقد جاء في سنن أبي داود:
«قال أبو داود: حدثت عن هارون بن المغيرة قال: نا عمرو بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، قال قال علي… ثم ذكر قصّة يملأ الأرض عدلاً»(6).
ويكفي لوهنه ما في أول السّند وآخره.
أمّا أوّله فأبو داود يقول: «حدثت عن هارون بن المغيرة» فمن الذي حدّثه به؟
وأمّا في آخره فأبو إسحاق السبيعي إنما رأى علياً عليه السلام رؤية فقط، فلابدّ وأنه حدّث بذلك، فمن الذي حدّثه به؟
هذا، وقد جاء في حاشية جامع الأصول عن الحافظ المنذري: «قال المنذري: هذا منقطع; أبو إسحاق رأى عليّاً رؤية فقط. وقال فيه أبو داود: حدّثت عن هارون بن المغيرة» كما جاء في حاشية المشكاة «إسناد الحديث ضعيف».
وأمّا لفظه فمختلف صدراً وذيلاً.
أمّا صدره، ففي أنه (الحسن) أو (الحسين)؟ فقد قال القندوزي الحنفي: «وعن أبي إسحاق قال: قال علي ـ ونظر إلى ابنه الحسين، قال: إن ابني هذا سيد… ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً. رواه أبو داود ولم يذكر القصة»(7).
وهذا نفس ما جاء في (جامع الأصول) و(المشكاة) نقلاً عن (أبي داود) إلا أنه بلفظ (الحسين) لا (الحسن).
هذا بالنسبة إلى حديث أبي داود.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى حديث غيره من أحاديث الباب، الواردة في بعض الكتب، فهذا السّلمي الشافعي يروي في كتاب (عقد الدرر في أخبار المنتظر) عن الأعمش عن أبي وائل مثل حديث أبي إسحاق السّبيعي، لكن النسخ مختلفة، فعن النسخة الأصلية، وكذا المستنسخة عن خطّ المؤلّف: «نظر إلى الحسين» وفي بعض النسخ الأخرى منه: «نظر إلى الحسن». وروى عن الحافظ أبي نعيم في (صفة المهدي) حديث حذيفة الآتي عن (ذخائر العقبى)، فكان في النسخة الأصلية والمكتوبة عن خطّه أيضاً: «وضرب بيده على الحسين»، لكن في بعض النسخ الأخرى: «الحسن»(8).
فهل وقع هذا الإختلاف عندهم من جهة الشّبه بين لفظي (الحسن) و(الحسين) كتابة، أو كان هناك قصد وعمد من بعض المغرضين كيلا تصل الحقائق إلى الأمّة كما هي، وكما تروى عن أهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت؟
إنه وإن لم نستبعد الاحتمال الأوّل، لكن الذي يقوى في النظر هو الثاني، لقرائن كثيرة عندنا تؤيّده، لا سيّما فيما يتعلّق بأهل البيت، وحتى في هذا المورد عثرنا على قرينة على أن القوم كانوا يحاولون كتم الحقيقة ـ وهي كون (المهدي) من ولد (الحسين) ـ أو كانوا يمتنعون من التصريح بها واللّه العالم بسبب ذلك! وذلك:
ما رواه الإمامان الحافظان أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، وأبو عبد اللّه نعيم بن حماد، عن قتادة قال: «قلت لسعيد بن المسيب: أحق المهدي؟ قال: نعم، هو حق. قلت: ممن هو؟ قال: من قريش. قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم. قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من ولد عبد المطلب. قلت: من أي ولد عبد المطلب؟ قال: من أولاد فاطمة. قلت: من أي ولد فاطمة؟ قال: حسبك الآن»(9).
قلت: فلماذا (حسبك الآن)؟ اللّه أعلم!
هذا فيما يتعلّق بصدر حديث أبي داود.
وأمّا ذيله، فقد عرفت أن أبا داود يقول: «وذكر قصة يملأ الأرض عدلاً» فمن الذي (ذكر)؟
ولماذا لم يذكر أبو داود القصّة، كما نبّه عليه ابن الأثير وصاحب المشكاة وغيرهما؟
ثم جاء صاحب (التاج) فلم يذكر قوله: «وذكر قصّة يملأ الأرض عدلاً» أصلاً، مما يؤكّد أن هذه القطعة لم تكن من الحديث.
ويزيده تأكيداً أن الحافظ البيهقي رواه في كتاب (البعث والنشور) عن أبي إسحاق كذلك، أي إلى قوله: «يشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلق»(10).
وأمّا مفاد الحديث ومدلوله، فإنه بعد ما عرفت الإضطراب في لفظه ومتنه لا يدلّ على شيء، فلا يبقى مجال لما ذكره القاري، ويسقط ما ادّعاه من أن الحديث يبطل ما تذهب إليه الشيعة الإمامية!
وأيضاً: يبقى الإشكال الذي أورده بقوله: «لا يقال: لعلّ علياً…» على حاله، إذ قصة (يملأ الأرض عدلاً) لم يظهر كونها من الحديث عن علي عليه السلام لو كان بلفظ (الحسن).
وتلخص: أن لا دلالة لحديث أبي داود على ما ذهب إليه بعض أهل السنّة من أن (المهدي) من ولد (الحسن) إن صحّ سنده… .
وقد ثبت عندنا أن لا مستمسك لهذا القول في الكتب المعتبرة المشتهرة عندهم إلاّ هذا الحديث الذي عرفت حاله سنداً ومتناً ودلالة.
فما ذهب إليه أصحابنا ـ ووافقهم عليه من غيرهم كثيرون ـ من أنه من ولد (الحسين) هو الحق.
وبه تواترت الأخبار عندهم، ومن أخبار أهل السنّة في ذلك:
قوله صلّى اللّه عليه وآله: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل اللّه عز وجل ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي، اسمه اسمي. فقام سلمان الفارسي ـ رضي اللّه عنه ـ فقال: يا رسول اللّه، من أيّ ولدك؟ قال: من ولدي هذا. وضرب بيده على الحسين». أخرجه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الأربعين حديثاً في المهدي، وغيرهما، وراجع: المنار المنيف لابن القيم: 148، عقد الدرر: 24، فرائد السمطين 2 / 325، القول المختصر: 7.
وقوله صلّى اللّه عليه وآله لفاطمة بضعته في مرض وفاته: «ما يبكيك يا فاطمة؟ أما علمت أن اللّه تعالى اطّلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً، ثم اطّلع ثانية فاختار بعلك، فأوحى إليّ فأنكحته واتّخذته وصياً. أما علمت أنك بكرامة اللّه تعالى أباك زوجك أعلمهم علماً وأكثرهم حلماً وأقدمهم سلماً؟ فضحكت واستبشرت. فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ـ أن يزيدها مزيد الخير كلّه الذي قسمه اللّه لمحمد وآل محمد، فقال لها:
يا فاطمة، ولعلي ثمانية أضراس يعني مناقب، إيمان باللّه ورسوله، وحكمته، وزوجته، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. يا فاطمة: إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأوّلين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمّ أبيك، ومنّا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنّا مهدي الأمة الذي يصلّي عيسى خلفه.
ثم ضرب على منكب الحسين فقال: من هذا مهدي الأمة».
أخرجه الدارقطني وأبو المظفر السمعاني. وانظر: البيان للكنجي الشافعي، وكفاية الطالب / 501، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي / 295.
وعن عبد اللّه بن عمرو: «يخرج المهدي من ولد الحسين من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً».
أخرجه الحافظ نعيم بن حمّاد، والحافظ الطبرانيوالحافظ أبو نعيم. راجع: عقد الدرر للسلمي الشافعي / 223.

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 179.
(2) مشكاة المصابيح 3 / 1503.
(3) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 168.
(4) جامع الأصول 11 / 49.
(5) التاج 5 / 343 ـ 344.
(6) صحيح أبي داود 2 / 311.
(7) ينابيع المودة 3 / 259.
(8) عقد الدرر: 23 ـ 24.
(9) عقد الدرر: 23.
(10) عقد الدرر: 31.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *