كلمات أعلام أهل السنّة في مدحه

الشرح:
قال ابن تيمية: «وأمّا من بعد جعفر، فموسى بن جعفر، قال فيه أبو حاتم الرازي: ثقة أمين صدوق من أئمة المسلمين. قلت: موسى ولد بالمدينة سنة بضع وعشرين ومائة، وأقدمه المهدي إلى بغداد، ثم ردّه إلى المدينة وأقام بها إلى أيّام الرشيد، فقدم هارون منصرفاً من عمرة، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفي في حبسه. قال ابن سعد: توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة، وليس له كثير رواية. روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه علي، وروى له الترمذي وابن ماجة»(1).
أقول:
هذا كلامه، فلم ينكر إلى هنا شيئاً مما ذكره العلاّمة واكتفى بنقل كلمة أبي حاتم… ولننقل كلمات أخرى تشييداً لما ذكره العلامة، ثم نشير إلى ما في كلام ابن تيمية.
قال ابن حجر: «عنه أخواه علي ومحمد. وأولاده: إبراهيم وحسين وإسماعيل وعلي الرضي. وصالح بن يزيد ومحمد بن صدقة العبري. قال أبو حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين. قال يحيى بن الحسين بن جعفر النسّابة: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده. وقال الخطيب: يقال إنه ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين ومائة… ومناقبه كثيرة..»(2).
وقال الخطيب: «كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، روي أنه دخل مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فسجد سجدة في أوّل اللّيل، وسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب من عندي فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. فجعل يرددها حتى أصبح. وكان سخيّاً كريماً، وكان يسمع عن الرجل ما يؤذيه، فيبعث إليه بصرَّة فيها ألف دينار»(3).
ونقل ابن خلكان كلام الخطيب المذكور، ثم نقل عن المسعودي ما سنذكره.
وقال الذهبي: «موسى الكاظم (ت،ق)، الإمام القدوة… ذكره أبو حاتم فقال: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين. قلت: له عند الترمذي وابن ماجة حديثان… له مشهد عظيم مشهور ببغداد، دفن معه فيه حفيده الجواد، ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس. وكانت وفاة موسى الكاظم في رجب سنة 183»(4).
وقال ابن الجوزي: «موسى بن جعفر، كان يدعى العبد الصالح، وكان حليماً كريماً، إذا بلغه عن رجل ما يؤذيه بعث إليه بمال»(5).
وقال القرماني: «هو الإمام الكبير الأوحد الحجة، السّاهر ليله قائماً القاطع نهاره صائماً، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف بباب الحوائج، لأنه ما خاب المتوسّل به في قضاء حاجته قط»(6).
وقال ابن حجر المكي: «هو وارث أبيه علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند اللّه، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم»(7).
وقال ابن طلحة: «هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن الكبير، المجتهد الجادّ في الاجتهاد المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات المشهود له بالكرامات، يبيت اللّيل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً ، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظماً، كان يجازي المسئ بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمّى بالعبد الصالح، ويعرف بالعراق بباب الحوائج إلى اللّه، لنجح مطالب المتوسّلين إلى اللّه تعالى به، كراماته تحار منها العقول، وتقضي بأن له عند اللّه تعالى قدم صدق لا تزل ولا تزول»(8).
هذه بعض كلمات المخالفين.
وأما مناقبه وفضائله في كتب الشيعة القائلين بإمامته فلا تكاد تحصى، تجدها مروية بالأسانيد المعتبرة في (الإرشاد) للشيخ المفيد، و(المناقب) لابن شهرآشوب، و(إعلام الورى) للطبرسي، و(كشف الغمة) للإربلي، و(إثبات الهداة) للحرّ العاملي، و(بحار الأنوار) للمجلسي… .
كما ألِّفت في أحواله وفضائله كتب خاصّة.
ولد بالأبواء، قرية من قرى المدينة المنورة، وكانت سنة ولادته (128) وقيل (127) وقيل (129) وتوفي سنة 183، وقيل غير ذلك، في سجن هارون وكان قد كتب إليه من السجن: «إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتى نفنى ]نقضي[ جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء، وهناك يخسر المبطلون»(9).
ولم تكن وفاته حتف أنفه، وإنما توفي مسموماً.
وأمّا قول الرجل: «وليس له كثير رواية، روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه علي، وروى له الترمذي وابن ماجة».
فأقول:
حسبه الرواية عن أبيه جعفر، فإن الصّيد كلّه في جوف الفرا.
وأمّا الرواة عنه فلا يُعدَّون كثرةً، أمّا من أهل بيته فأخوه علي بن جعفر وأولاده، وأمّا من غيرهم، فقد ذكر ابن حجر بعضهم مع أخويه وأولاده، وقال الخزرجي: «وعنه: ابنه علي الرضا، وأخواه علي ومحمد ابنا جعفر بن محمد، وطائفة»(10).
وأما أصحابنا، فذكروا في الكتب الرجاليّة أسامي كثيرين من تلامذته والرواة عنه، يعدّون بالمئات، وعن طريقهم امتلأت كتبهم الفقهيّة وغيرها بالأخبار في الأحكام الشرعيّة والمعارف الدينيّة والعلوم الإسلاميّة… .
وأمّا الرجل، فقد حاول التقليل من أهمية الإمام الكاظم والحطّ من شأنه وشأن الرواة عنه، حتى أنه يذكر رواية ولده الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وأخذه عنه. وأمّا عدم رواية المؤلّفين في الحديث من أهل السنّة عنه ـ عدا الترمذي وابن ماجة ـ فهو من سوء حظّهم وعدم توفيقهم، وانحرافهم عن أهل البيت والعترة الطاهرة.

(1) منهاج السنّة 4 / 55 .
(2) تهذيب التهذيب 10 / 302 ـ 303.
(3) تاريخ بغداد 13 / 29.
(4) سير أعلام النبلاء 6 / 270 ـ 274.
(5) صفة الصفوة 2 / 103.
(6) أخبار الدول: 112.
(7) الصواعق المحرقة: 112.
(8) مطالب السئول: 447.
(9) تهذيب الكمال 29 / 50، البداية والنهاية 10 / 197، سير أعلام النبلاء 6 / 273.
(10) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: 390.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *