عقيدة أهل السنّة في عصمة الأنبياء، وقول ابن تيميّة بأنّ الرافضة أشهبوا النصارى في الغلوّ

عقيدة أهل السنّة في عصمة الأنبياء
قال قدس سره: وذهب جميع من عدا الإماميّة والإسماعيليّة إلى أن الأنبياء والأئمة عليهم السّلام غير معصومين، فجوّزوا بعثة من يجوز عليه الكذب والسّهو والخطأ والسرقة!… .
الشرح:
قد ذكر فيما تقدّم عقيدة الإماميّة في العصمة، وتبعهم القائلون بإمامة إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام. وذكر العلاّمة هنا عقيدة أهل السنّة.
وممّا يدلّ على أن مذهبهم جواز صدور المعاصي حتى الكبائر عن الأنبياء حتى بعد البعثة: ما أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما (الصحيحين) ـ عند جمهورهم ـ عن أبي هريرة من أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات(1)… الأمر الذي بلغ في الفظاعة حدّاً جعل الفخر الرازي يقول: «نسبة الكذب إلى الراوي أولى من نسبته إلى الخليل عليه السلام»(2).
بل في الكتابين المذكورين وغيرهما من كتبهم المعتبرة عندهم ما يدلّ على عدم عصمة الأنبياء ـ حتى نبينا صلّى اللّه عليه وآله ـ بما يوجب الكفر، ومن ذلك حديث الغرانيق الذي أخرجوه بطرق كثيرة جدّاً، ونصّوا على توثيق رجاله وصحة أسانيده، فقالوا: إنه صلّى اللّه عليه وآله صلّى يوماً وقرأ في سورة النجم عند قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الآخْرَى): تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى. وهو اعتراف منه بأن تلك الأصنام ترتجى الشفاعة منها. وهي مقالة توجب الشرك.
ولذا اضطرّ بعضهم إلى أن يقولوا في هذه الأحاديث ـ التي رواها: البزار، الطبراني، ابن جرير، ابن المنذر، البيهقي، ابن أبي حاتم، الهيثمي، السيوطي… ـ : «إنها من وضع الزنادقة» أو نحو هذه العبارة(3).
وهل تنزيه الأنبياء عليهم السّلام عن الكفر باللّه والشرك به وعن معصيته في جميع الأحوال غلوّ؟ وهل معنى ذلك اتخاذهم أرباباً من دون اللّه؟ وإذا كان جوابك: لا، فما تقول لابن تيمية القائل:
«وأما الرافضة فأشبهوا النصارى، فإن اللّه تعالى أمر الناس بطاعة الرسل فيما أمروا به، وتصديقهم فيما أخبروا به، ونهى الخلق عن الغلوّ والإشراك باللّه تعالى، فبدّلت النصارى دين اللّه تعالى، فغلوا في المسيح، فأشركوا به… وكذلك الرافضة غلوا في الرسل بل في الأئمة حتى اتّخذوهم أرباباً دون اللّه»(4).
لكن القول بأن الرسل يعصون اللّه في جميع الكبائر والصغائر ـ حاشا الكذب في التبليغ فقط الذي هو مذهب الأشاعرة وبعض المعتزلة(5) واختاره ابن تيمية وهو قول اليهود والنصارى كما نصّ عليه ابن حزم(6).
فلاحظ من المبدّل لدين اللّه؟!!

(1) البخاري 4 / 112، مسلم 7 / 98.
(2) تفسير الرازي 26 / 148.
(3) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 124، تفسير الرازي 23 / 49، مجمع الزوائد 7 / 115، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 368.
(4) منهاج السنة 1 / 473 ـ 474.
(5) تفسير الرازي 3 / 7، 18 / 9.
(6) الفصل في الملل والنحل 4 / 5.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *