الإشارة إلى اصول الدين عند أهل السنّة

الإشارة إلى اصول الدين عند أهل السنّة
قال قدس سره: وذهب أهل السنّة إلى خلاف ذلك كلّه، فلم يثبتوا العدل والحكمة في أفعاله تعالى!… .
الشرح:
واعترض عليه ابن تيمية: «أن قوله عن أهل السنّة إنهم لم يثبتوا… نقل باطل عنهم من وجهين:
أحدهما: إن كثيراً من أهل السنّة ـ الذين لا يقولون في الخلافة بالنص على علي ولا بإمامة الاثني عشر ـ يثبتون ما ذكره من العدل والحكمة على الوجه الذي قاله هو، وشيوخه عن هؤلاء أخذوا ذلك، كالمعتزلة وغيرهم ممن وافقهم من متأخري الرافضة على القدر، فنقله عن جميع أهل السنّة ـ الذين هم في اصطلاحه واصطلاح العامّة من سوى الشيعة ـ هذا القول كذب بيِّن منه.
الوجه الثاني: إن سائر أهل السنّة الذين يقرّون بالقدر ليس فيهم من يقول إن اللّه تعالى ليس بعدل، ولا من يقول إنه ليس بحكيم، ولا فيهم من يقول إنه يجوز أن يترك واجباً ولا أن يفعل قبيحاً، فليس في المسلمين من يتكلّم بمثل هذا الكلام الذي من أطلقه كان كافراً مباح الدم باتفاق المسلمين…»(1).
أقول: وكلا الوجهين جهل أو تجاهل;
أمّا الأوّل، فيبطله أن مقصود العلاّمة من (أهل السنّة) هنا خصوص (الأشاعرة)، ويشهد به قوله في نفس هذه المسألة في كتاب آخر: «قالت الإماميّة ومتابعوهم من المعتزلة… وقال الأشاعرة: ليس جميع أفعال اللّه…»(2).
وأما الثاني، فيكذّبه ما نصّ عليه الحافظ ابن حزم المتوفى سنة 456 في الفصَل: 3 / 160، والشهرستاني المتوفى سنة 548 في الملل والنحل: 1 / 92، والقاضي العضد المتوفى سنة 756 في المواقف، وسيأتي تفصيل الكلام عليه في الفصل الثاني.
قال قدس سره: وأنه تعالى لايفعل لغرض، بل كلّ أفعاله لا لغرض من الأغراض، ولا لحكمة ألبتّة، وأنه تعالى يفعل الظلم والعبث، وأنه لا يفعل ما هو الأصلح للعباد، بل ما هو الفساد في الحقيقة… .
الشرح:
أقول: سيأتي مزيد من الكلام على هذا كلّه في الفصل الثاني من الكتاب.
وقد ذكر الفخر الرازي بتفسيره ما نصّه: «أن العبد لا يستحق على الطاعة ثواباً، ولا على المعصية عقاباً استحقاقاً عقليّاً واجباً. وهو قول أهل السنّة واختيارنا»(3).
لكن ابن تيمية يقول في جواب العلاّمة في هذا الموضع: «فهذا فرية على أهل السنّة»(4)، فانظر من المفتري؟
وأمّا أن أفعاله ليست لغرض.. فلم ينكره ابن تيمية، واستدلّ له الرازي عقلاً ونقلاً، قال: «أمّا النصوص فأكثر من أن تعدّ، وهي على أنواع، منها ما يدلّ على أن الإضلال بفعل اللّه…، ومنها ما يدلّ على أن الأشياء كلّها بخلق اللّه…»(5)، وقال: «قول أصحابنا: وهو أنه يحسن منه كلّما أراد، ولا يعلّل شيء من أفعاله بشيء من الحكمة والمصالح»(6).
قال قدس سره: وأن الأنبياء عليهم السّلام غير معصومين! بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو، وغير ذلك!
الشرح:
اعترض عليه ابن تيمية بأن «ما نقله عنهم أنهم يقولون أن الأنبياء غير معصومين فهذا الإطلاق نقل باطل عنهم; فإنّهم متّفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلّغون عن اللّه تعالى»(7).
قلت: قد ذكر العلاّمة مذهب الإماميّة ومخالفيهم في هذه المسألة على الإجمال، فقال: بأن الإماميّة ذهبوا إلى وجوب عصمتهم «بحيث لا يجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي; وإلاّ لم يبق وثوق بأقوالهم وأفعالهم فتنتفي فائدة البعثة»، وأن أهل السنّة ذهبوا إلى «أن الأنبياء غير معصومين…» فأجمل القول في الموردين، ولم يفصّل أن هذه العصمة متى هي؟ وفي أي شيء؟ وعن أيّ شيء؟ نعم، ظاهر عبارته في طرف مذهب الإماميّة هو الإطلاق، وهو كذلك، فإن مذهبهم أنه لا يقع من الأنبياء السهو ولا النسيان، ولا تصدر منهم المعصية، لا الصغيرة ولا الكبيرة، لا سهواً ولا عمداً، ولا فرق في ذلك كلّه بين حال قبل النبوّة وحال بعدها، فيما يبلّغونه عن اللّه تعالى وفي غيره.
وقد نفى هذا الإطلاق عن أهل السنّة، لا أنه نسب إليهم كونهم غير معصومين مطلقاً، حتى يقال بأنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلّغونه عن اللّه تعالى..، وسيأتي بعض التفصيل في المسألة في الفصل الثاني.

(1) منهاج السنة 1 / 133.
(2) نهج الحق وكشف الصدق: 73.
(3) التفسير الكبير 2 / 128.
(4) منهاج السنة 1 / 466.
(5) التفسير الكبير 28 / 233.
(6) التفسير الكبير 17 / 11.
(7) منهاج السنة 1 / 470.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *