ابن العربي المالكي

ابن العربي المالكي
ورأى ابن العربي المالكي أنّ حماية معاوية ومن فوقه متوقّفة على القول بأنّ الحسـين لم يقتل إلاّ بسـيف جدّه(1)…
وحكى ذلك عنه المناوي حيث قال:
«قيل لابن الجوزي ـ وهو على كرسي الوعظ ـ كيف يقال: يزيد قتل الحسـين، وهو بدمشق، والحسـين بالعراق؟!
فقال:
سهم أصاب وراميه بذي سلم *** مَن بالعراق لقد أبعدتَ مرماكا
وقد غلب على ابن العربي الغضّ من أهل البيت حتّى قال: قتله بسـيف جدّه»(2).
وقال ابن خلدون منكِـراً على ابن العربي كلامه في هذا الشأن:
«وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سمّاه (العواصم من القواصم)، ما معناه أنّ الحسـين قُـتل بشرع جدّه، وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل; ومَن أعدل من الحسـين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء؟!»(3).
وقال ابن حجر المكّي في كلام له عن يزيد:
«قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعاً وعلماً يقضيان بأنّه لم يقل ذلك إلاّ لقضايا وقعت منه صريحةً في ذلك ثبتت عنده، وإنْ لم تثبت عند غيره:
كالغزّالي، فإنّه أطال في ردّ كثير ممّا نُسـب إليه، كقتل الحسـين، فقال: لم يثبت من طريق صحيح أنّه قتله ولا أمر بقتله. ثمّ بالغ في تحريم سـبّه ولعنه.
وكابن العربي المالكي، فإنّه نقل عنه ما يقشعرّ منه الجلد، إنّه قال: لم يقتل يزيدُ الحسـينَ إلاّ بسيف جدّه. أي: بحسـب اعتقاده الباطل أنّه الخليفة، والحسـين باغ عليه، والبيعة سبقت ليزيد، ويكفي فيها بعض أهل الحلّ والعقد، وبيعته كذلك، لأنّ كثيرين أقدموا عليها مختارين لها.
هـذا، مع عـدم النظـر إلى اسـتخلاف أبيه له، أمّـا مع النظـر لذلك فلا يشـترط موافقة أحد من أهل الحلّ والعقد على ذلك»(4).
إذاً، رجع الأمر مـرّةً أُخرى إلى معاوية!!

أقـول:
روى ابن العربي المالكي أخبار عهد معاوية لابنه يزيد وكيفيّة أخذه البيعة له، إلى أن قال:
«فإنْ قيل: ليـس فيه شروط الإمامة.
قلنا: ليـس السنّ من شروطها، ولم يثبت أنّه يقصر يزيد عنها.
فإن قيل: كان منها العدالة والعلم، ولم يكن يزيد عدلا ولا عالماً.
قلنا: وبأيّ شيء نعلم عدم علمه أو عدم عدالته؟! ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلاثة الفضلاء الّذين أشاروا عليه بأنْ لا يفعل، وإنّما رموا إلى الأمر بعيب التحكّم، وأرادوا أن تكون شورى.
فإن قيل: كان هناك من هو أحقّ منه عدالةً وعلماً، منهم مئة وربّما ألف.
قلنا: إمامة المفضول ـ كما قدّمنا ـ مسألة خلاف بين العلماء كما ذكر العلماء في موضعه»(5).
قـال:
«وقد حسم البخاري الباب، ونهج جادّة الصواب، فروى في صحيحه ما يبطل جميع هذا المتقدّم، وهو أنّ معاوية خطب وابن عمر حاضر في خطبته…»(6)، فأورد أخبـار بيعـة عبـد الله بن عمر ليزيد، فقـال:
«فانـظروا معشـر المسـلمين إلى ما روى البخاري في الصحيـح، وإلى ما سـبق ذِكرنا له في رواية بعضهم أنّ عبـد الله بن عمر لم يـبايـع…»(7).
قـال:
«فهذه الأخبار الصحاح كلّها تعطيك أنّ ابن عمر كان مسلّماً في أمر يزيد، وأنّه بايع وعقد له، والتزم ما التزم الناس، ودخل في ما دخل فيه المسلمون، وحرّم على نفسه ومَن إليه بعد ذلك أن يخرج على هذا أو ينقضه.
وظهر لك أنّ من قال: إنّ معاوية كذب في قوله: بايع ابنُ عمر ولم يبايع; وإنّ ابن عمر وأصحابه سُئلوا فقالوا: لم نبايع; فقد كذب.
وقد صدق البخاري في روايته قولَ معاوية في المنبر: إنّ ابن عمر قد بايع; بإقرار ابن عمر بذلك وتسليمه له وتماديه عليه…»(8).
قـال:
«فإن قيل: كان يزيد خمّاراً.
قلنا: لا يحلُّ إلاّ بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه؟!…
فإن قيل: ولو لم يكن ليزيد إلاّ قتله للحسـين بن عليّ!
قلنا: يا أسفاً على المصائب مرّةً، ويا أسفاً على مصيبة الحسـين ألف مرّة، وإنّ بوله يجري على صدر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودمه يراق على البوغاء ولا يحقن، يا لله ويا للمسلمين!!»(9).
قـال:
«وذكـر المؤرّخـون: أنّ كـتب أهل الكوفة وردت على الحسـين، وأنّـه أرسل مسـلم بن عقيـل، ابنَ عمّـه، إليهم ليأخـذ عليهم البيعـة، وينظـر هو في اتّباعه، فنهـاه ابن عبّـاس، وأعلمه أنّهـم خذلوا أباه وأخاه، وأشـار عليه ابن الزبير بالخـروج، فخـرج، فلم يبلـغ الكوفـة إلاّ ومسـلم ابن عقيل قد قُـتل، وأسلمه من كان اسـتدعاه; ويكـفيك بهذا عظـةً لمن اتّعـظ!
فتمادى واستمرّ غضباً للدين وقياماً بالحقّ، ولكنّه رضي الله عنه لم يقبل نصيحة أعلم أهل زمانه ابن عبّـاس، وعَدَل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر، وطلب الابتداء في الانتهاء، والاستقامة في الاعوجاج، ونضارة الشبيبة في هشيم المشيخة، ليس حوله مثله، ولا له من الأنصار من يرعى حقّه، ولا من يبذل نفسه دونه، فأردنا أنْ نطهّر الأرض من خمر يزيد، فأرقنا دم الحسـين، فجاءتنا مصيبة لا يجبرها سرور الدهر.
وما خرج إليه أحد إلاّ بتأويل، ولا قاتلوه إلاّ بما سمعوا من جدّه المهيمن على الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذّر من الدخول في الفتن، وأقواله في ذلك كثيرة، منها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: إنّه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أنْ يفرّق أمر هذه الأُمّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان; فما خرج الناس إلاّ بهذا وأمثاله.
ولو أنّ عظيمها وابن عظيمها، وشريفها وابن شريفها الحسـين، وسعه بيته أو ضيعته أو إبله، ولو جاء الخلق يطلبونه ليقوم بالحقّ، وفي جملتهم ابن عبّـاس وابن عمر، لم يلتفت إليهم، وحضره ما أنذر به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وما قال في أخيه، ورأى أنّها خرجت عن أخيه ومعه جيوش الأرض وكبار الخلق ينصرونه، فكيف ترجع إليه بأوباش الكوفة وكبارُ الصحابة ينهونه وينأون عنه؟!
ما أدري في هذا إلاّ التسليم لقضـاء الله، والحزن على ابن بنت رسـول الله صلّى الله عليه وسلّم بقيّة الدهر.
ولولا معرفة أشياخ وأعيان الأُمّة بأنّه أمر صرفه الله عن أهل البيت، وحال من الفتنة لا ينبغي لأحد أن يدخلها، ما أسلموه أبداً… وكلٌّ منهم عظيم القدر، مجتهد، وفي ما دخل فيه مصيبٌ مأجور، ولله فيه حكم قد أنفـذه…»(10).

أقـول:
هذه نصوص عباراته باختصار، تدبّر فيها لترى أنّ الغرض الأصلي هو الحماية والدفاع عن الخلفاء والصحابة الّذين حملوا بني أُميّة على رقاب الناس، فالدفاع عن يزيد ومعاوية، والقول بأنّ الحسـين إنّما قتل بسيف جدّه، إنّما هو من أجل تصحيح ما فعله المشايخ، وهذا ما صرّح به بالتالي حيث قال: «ولولا معرفة أشياخ وأعيان الأُمّة بأنّه أمر صرفه الله عن أهل البيت…».

(1) انظر: العواصم من القواصم: 214.
(2) فيض القدير 1 / 265 ح 281.
(3) مقـدّمة ابن خلدون: 171. لكنْ يظهر من كلام الحافظ الهيثمي كما سيأتي عن الحافظ السخاوي أنّ ابن خلدون كان يقول بقول ابن العربي فذكر الحافظ ابن حجر أنّ ذلك كان في النّسخة التي رجع عنها من تاريخه.
(4) المنح المكّـيّـة ـ شرح القصيدة الهمزية: 271.
(5) العواصم من القواصم: 206 ـ 207.
(6) العواصم من القواصم: 207.
(7) العواصم من القواصم: 208.
(8) العواصم من القواصم: 209.
(9) العواصم من القواصم: 210 و 211.
(10) العواصم من القواصم: 212 ـ 215.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *