كتب أهل العراق إلى الإمام عليه السلام في حياة معاوية

كتب أهل العراق إلى الإمام عليه السلام في حياة معاوية

وفي مثل هذه الظروف وعلى عهد معاوية! وردت على الإمام الحسـين عليه السلام كتبٌ من الكوفـة.
قال ابن كثير: «قالوا: لمّا بايع الناس معاوية ليزيد، كان حسـين ممّن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، كلّ ذلك يأبى عليهم، فقدم منهم قوم إلى محمّـد بن الحنفيّـة يطلبون إليه أن يخرج معهم، فأبى، وجاء إلى الحسـين يعرض عليه أمرهم، فقال له الحسـين: إنّ القوم إنّما يريدون أنْ يأكلوا بنا ويسـتطيلوا بنا ويسـتنبطوا دماء الناس ودماءنا…»(1).
وقد كتب إليهم عليه السلام كتاباً يأمرهم بالصبر، ويقول لهم في ما رواه البلاذري وغيره: «فالصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى، واحترسوا… ما دام ابن هند حيّاً، فإن يُحدث الله به حدثاً وأنا حيّ كـتبت إليكم برأيي»(2).

ريبة الإمام في الكتب وأصحابها
لكنّ الذي يلوح الناظر في كلماته وكتاباته عليه السلام هو الريب في تلك الكتب وأصحابها… فقد رأينا قوله لأخيه محمّـد: «إنّ القوم إنّما يريدون أنْ يأكلوا بنا ويسـتطيلوا بنا…».
ومن العجيب: أنّ هذا الذي قاله عليه السلام لأخيه في المدينة وعلى عهد معاوية، قد سمعه في طريقه إلى العراق من بعض القادمين من الكوفة لمّا سأل عن أهلها، فقد أجاب الإمامَ بقوله: «أمّا الأشراف، فقد عظمت رشوتهم… وما كتبوا إليك إلاّ ليجعلوك سوقاً ومكسـباً…»(3).
وما زال الإمام عليه السلام في ريب ممّا وصلته من الكتب وجاءه من الرسل، حتّى إنّه لمّا بعث إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل، كتب إلى أهل الكوفة كتاباً يدلّ دلالة واضحةً على عدم وثوقه بهم وبالكتب التي أتته من قبلهم، فقد كتب إليهم: «وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، فإنْ كَتبَ إليَّ بأنّه قد اجتمع رأي مَلَـئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قَدمَتْ به رسلكم وقَرأتُ في كتبكم، أقدمُ عليكم وشيكاً إن شاء الله…»(4).
وروى ابن سعد ـ صاحب «الطبقات» ـ، بإسـناده عن يزيد الرشـك(5)، قـال: «حـدّثني مَـن شـافه الحسـين، قال: إنّي رأيت أخبـيـةً(6) مضروبةً بفلاة من الأرض، فقلت: لمن هذه؟
قالوا: هذه للحسـين.
فأتيته، فإذا شيخ يقرأ القرآن، قال: والدموع تسيل على خدّيه ولحيته; قال: قلت: بأبي وأُمّي يا بن رسول الله، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليـس بها أحد؟!
قال: هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلاّ قاتليّ; فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمةً إلاّ انتهكوها، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأَمَـة. يعني مقنعتها(7)»(8).

***

(1) البداية والنهاية 8 / 129 حوادث سـنة 60 هـ، وانظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 422 رقم 1374، سـير أعلام النبلاء 3 / 293 ـ 294 رقم 48.
(2) أنساب الأشراف 3 / 366، الأخبار الطوال: 222.
(3) انظر: البداية والنهاية 8 / 139 حوادث سـنة 61 هـ، الحسـين والسُـنّة: 58.
(4) الإرشاد 2 / 39، وانظر: بحار الأنوار 44 / 334.
(5) هو: أبو الأزهر البصري، يزيد بن أبي يزيد، الضبعي ولاءً، المعروف بالـرَّشك، وثّقه ابن سعد وابن حجر، توفّي سـنة 30 هـ وله من العمر مئـة سـنة.
انظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 9 / 244 رقم 4015، تهذيب التهذيب 11 / 371 ـ 372 رقم 715.
(6) في لفظ: أبنية.
(7) الـفَـرم ـ اصطلاحاً ـ : هي خرقة الحيض التي تحملها المرأة في فرجها; انظر: لسان العرب 10 / 251 مادّة «فرم».
(8) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 431 رقم 1374، وانظر: تاريخ الطبري 3 / 300، بغية الطلب 6 / 2615 ـ 2616، البداية والنهاية 8 / 135.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *