(1) نظرات في أسانيد حديث الاقتداء

الرسائل العشر
في الأحاديث الموضوعة في كتب السُنّة
(2)

حديث الاقتداء بالشّيخين

تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد، فلا يخفى أنّ السُنّة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي عند المسلمين ـ وإن وقع الخلاف بينهم في طريقها ـ فمنها ـ بعد القرآن الكريم ـ تستخرج الأحكام الإلهية، وأُصول العقائد الدينية، والمعارف الفذّة، والأخلاق الكريمة، بل فيها بيان ما أجمله الكتاب، وتفسير ما أبهمه، وتقييد ما أطلقه، وإيضاح ما أغلقه . . .
فنحن مأمورون باتّباع السُنّة والعمل بما ثبت منها، ومحتاجون إليها في جميع الشؤون ومناحي الحياة، الفردية والاجتماعيّة . . .
إلاّ أنّ الأيدي الأثيمة تلاعبت بالسُنّة الشريفة حسب أهوائها وأهدافها . . . وهذا أمر ثابت يعترف به الكلّ . . .
ولهذا وذاك . . . انبرى علماء الحديث لتمييز الصحيح من السقيم، والحقّ من الباطل . . فكانت كتب (الصحاح) وكتب (الموضوعات) . . .
ولكنّ الحقيقة هي تسرّبُ الأغراض والدوافع الباعثة إلى الاختلاق والتحريف إلى المعايير التي اتّخذوها للتمييز والتمحيص . . . فلم تخل (الصحاح) من الموضوعات والأباطيل، ولم تخل (الموضوعات) من الصحاح والحقائق . . . وهذا ما دعا آخرين إلى وضع كتب تكلّموا فيها على ما اُخرج في الصحاح وأُخرى تعقّبوا فيها ما أُدرج في الموضوعات . . . وقد تعرّضنا لهذا في بعض بحوثنا المنشورة . . .
وحديث: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح . . وقال بصحّته غيرهم تبعاً لهم . . . ومن ثمّ استندوا إليه في البحوث العلميّة.
ففي كتب العقائد . . . في مبحث الإمامة . . . جعلوه من أقوى الحجج على إمامة أبي بكر وعمر بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم . . .
وفي الفقه . . . استدلّوا به لترجيح فتوى الشيخين في المسألة إذا خالفهما غيرهما من الأصحاب . . .
وفي الأُصول . . . في مبحث الإجماع . . . يحتجّون به لحجّيّة اتّفاقهما وعدم جواز مخالفتهما فيما اتّفقا عليه . . .
فهل هو حديث صحيح حقّاً؟
لقد تناولنا هذا الحديث بالنقد، فتتبّعنا أسانيده في كتب القوم، ودقّقنا النظر فيها على ضوء كلمات أساطينهم، ثم عثرنا على تصريحات لجماعة من كبار أئمّتهم في شأنه، ثم كانت لنا تأمّلات في معناه ومتنه . . .
فإلى أهل الفضل والتحقيق هذه الصفحات اليسيرة المتضمّنة تحقيق هذا الحديث في ثلاثة فصول . . . واللّه أسأل أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأنْ يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم . . . إنّه خير مسؤول.

(1)
نظرات في أسانيد حديث الاقتداء

إنّ حديث الاقتداء من الأحاديث المشهورة في فضل الشيخين، فقد رووه عن عدّة من الصحابة وبأسانيد كثيرة . . . لكن لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مطلقاً، ولم يخرج في شيء من الصحاح عن غير حذيفة وعبداللّه بن مسعود، وقد ذهب غير واحد من أعلام القوم إلى عدم قبول ما لم يخرجه الشيخان من المناقب، وكثيرون منهم إلى عدم صحّة ما أعرض عنه أرباب الصحاح.
وعلى ما ذكر، يسقط حديث الاقتداء مطلقاً أو ما كان من حديث غير ابن مسعود وحذيفة.
لكنّا ننظر في أسانيد هذا الحديث عن جميع من روي عنه من الصحابة، إلاّ أنّا نهتمّ في الأكثر بما كان من حديث حذيفة وابن مسعود، ونكتفي في البحث عن حديث الآخرين بقدر الضرورة. فنقول:
لقد رووا هذا الحديث عن:
1 ـ حذيفة بن اليمان.
2 ـ عبداللّه بن مسعود.
3 ـ أبي الدرداء.
4 ـ أنس بن مالك.
5 ـ عبداللّه بن عمر.
6 ـ جدّة عبداللّه بن أبي الهذيل.
ونحن نذكر الإسناد إلى كلّ واحد منهم، وننظر في رجاله:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *