العناية الإلهيّة في اختيار أم الإمام

العناية الإلهيّة في اختيار أم الإمام
واذ ندقق النظر في هذه الرواية نجد في هذه الجارية التي أراد الله لها أن تكون أماً للإمام الثاني عشر أربعة أوصاف يندر وجود واحد منها فضلا عن المجموع في جارية مسبيّة لا تعرف من الإسلام شيئاً، وهذه الصفات هي:
1 ـ تنطق العربية جيداً.
2 ـ تمتنع من السفور، ولا ترضى بأن يلمسها أحد.
3 ـ لا توافق على بيعها من أي مشتر كان، بل تطلب من البايع أن يكون لها حق اختيار المشتري حتى يسكن قلبها الى أمانته وديانته.
4 ـ انها رغبت في الإمام عليه السّلام، وأصرّت على ذلك، وهددت بقتل نفسها ان لم يبعها منه.
وأعجب من هذا كله انها بعد أن يستقر بها المقام في بغداد تخرج كتاب الإمام الهادي عليه السّلام، وتضعه على خدّها وتمسح به على عينيها، فيستغرب بشر النخّاس من عملها هذا ويقول لها: أتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟! كل هذا وسائر ما ورد في القصة يدلنا على عناية الهية خاصة في هذا الشأن، حيث يختار الله تعالى الوعاء الطاهر للذرية المباركة، فصلوات الله عليهم أجمعين.
متى وقعت الحرب؟
قد يذهب بعض المعاندين الى التشكيك في هذه الحوادث بنفي وقوع حرب بين المسلمين والمشركين في الأزمنة المعاصرة لولادة المهدي سلام الله عليه. وليس ذلك الاّ لجهلهم بالتاريخ، مضافاً الى العناد والعداء للحق، فمن المسلّم به ان حرباً عظيمة وقعت بين المسلمين والمشركين في الأندلس وكانت جزءاً من الروم في ذلك التاريخ أي في سنة 251 ـ كان نتيجتها قتل عدد كبير من المشركين وأسر آخرين منهم.
وحيث دلت الرواية على ان سبي ابنة يشوعا ابن ملك الروم حصل في حياة الإمام علي الهادي عليه السّلام، وهو الذي بعث بشرا النخاس لشراء الجارية المسبيّة مع الأوصاف المتقدمة، وزوّجها من ابنه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، وإذا علمنا أن وفاة الإمام علي الهادي كانت سنة 254، اتّضح جليّاً التطابق الزمني بين هذه الرواية والتاريخ المذكور.
فمن المحتمل وصول هذه الوجبة من الأسرى الى بغداد سنة 252، وتزويج الإمام الهادي مليكة ـ أو نرجس ـ من ابنة الإمام الحسن العسكري في تلك السنة أو بعدها، وولادة المهدي عجّل الله فرجه في 255.
قال ابن الأثير في حوادث سنة 251:
ذكر غزو الفرنج بالأندلس:
في هذه السنة سيّر محمّد بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس جيشاً مع ابنه المنذر الى بلاد المشركين في جمادى الآخرة، فساروا، وقصدوا الملاّحة، وكانت أموال لذريق بناحية ألبة والقلاع، فلمّا عمّ المسلمون بلدهم بالخراب والنهب، جمع لذريق عساكره، وسار يريدهم، فالتقوا بموضع يقال له فج المركوين، وبه تعرف هذه الغزاة، فاقتتلوا، فانهزم المشركون الاّ انهم لم يبعدوا واجتمعوا بهضبة بالقرب من موضع المعركة، فتبعهم المسلمون وحملوا عليهم واشتدّ القتال، فولّى الفرنج منهزمين لا يلوون على شيء وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.
وكانت هذه الوقعة ثاني عشر رجب، وكان عدد ما أخذ من رؤوس المشركين ألفين وأربعمائة واثنين وتسعين رأساً، وكان فتحاً عظيماً وعاد المسلمون»(1).

(1) الكامل في التاريخ ج7 ص162.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *