إحتجاج الحسن

إحتجاج الحسن
قال تقي الدين الحموي: «اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص والوليد بن عقبة وعقبة بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة فقالوا: يا أمير المؤمنين، ابعث لنا الحسن بن علي، فقال لهم: فيم؟ فقالوا: كي نوبخه ونعرفه أن أباه قتل عثمان، فقال لهم: انكم لا تنتصفون منه ولا تقولون شيئاً الاّ كذبكم الناس ولا يقول لكم شيئاً ببلاغته إلاّ صدقه الناس، فقالوا: ارسل اليه فإنا سنكفيك أمره. فأرسل اليه معاوية فلما حضر قال: يا حسن إني لم ارسل اليك ولكن هؤلاء أرسلوا إليك. فاسمع مقالتهم وأجب ولا تحرمنّي فقال الحسن عليه السّلام: فليتكلموا ونسمع.
فقام عمرو بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: هل تعلم يا حسن أن اباك أول من أثار الفتنة وطلب الملك فكيف رأيت صنع الله به؟
ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: يا بني هاشم، كنتم أصهار عثمان بن عفان فنعم الصهر كان، يفضلكم ويقربكم ثم بغيتم عليه فقتلتموه، ولقد أردنا يا حسن قتل ابيك فأنقذنا الله منه، ولو قتلناه بعثمان ما كان علينا من الله ذنب.
ثم قام عقبة فقال: تعلم يا حسن أن أباك بغى على عثمان فقتله حسداً على الملك والدنيا فسلبها، ولقد أردنا قتل أبيك حتى قتله الله تعالى!.
ثم قام المغيرة بن شعبة فكان كلامه كله سباً لعلي وتعظيماً لعثمان.
فقام الحسن عليه السّلام فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: بك أبداً يا معاوية لم يشتمني هؤلاء ولكن أنت تشتمني بغضاً وعداوةً وخلافاً لجدي، ثم التفت إلى الناس وقال: أنشدكم الله أتعلمون أن الرجل الذي شتمه هؤلاء كان أول من آمن بالله وصلى للقبلتين، وأنت يا معاوية يومئذ كافر تشرك بالله وكان معه لواء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم بدر ومع معاوية وأبيه لواء المشركين. ثم قال: أنشدكم الله والإسلام، أتعلمون أن معاوية كان يكتب الرسائل لجدي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأرسل إليه يوماً فرجع الرسول وقال: هو يأكل، فردّ الرسول إليه ثلاث مرات كل ذلك وهو يقول: هو يأكل، فقال النبي: لا أشبع الله بطنه، أما تعرف ذلك في بطنك يا معاوية؟ ثم قال: وأنشدكم الله، أتعلمون أن معاوية كان يقود بأبيه على جمل وأخوه هذا يسوقه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لعن الله الجمل وقائده وراكبه وسائقه، هذا كله لك يا معاوية.
وأما أنت يا عمرو، فتنازع فيك خمسة من قريش فغلب عليك شبه ألأمهم حسباً وشرهم منصباً، ثم قمت وسط قريش فقلت: اني شانىء محمّداً فأنزل الله على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَْبْتَرُ)(1) ثم هجوت محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم بثلاثين بيتاً من الشعر، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللهم اني لا أحسن الشعر ولكن العن عمرو بن العاص بكل بيت لعنة، ثم انطلقت إلى النجاشي بما علمت وعملت، فأكذبك الله وردّك خائباً، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام، فلم نلمك على بغضك.
وأما أنت يا ابن أبي معيط ، فكيف ألومك على سبك لعلي، وقد جلد ظهرك في الخمر ثمانين سوطاً، وقتل أباك صبراً بأمر جدي، وقتله جدي بأمر ربي ولما قدمه للقتل قال: من للصبية يا محمّد؟ فقال: لهم النار، فلم يكن لكم عند النبي إلاّ النار ولم يكن لكم عند علي غير السيف والسوط.
وأما أنت يا عتبة، فكيف تعد أحدنا بالقتل؟ لم لا قتلت الذي وجدته في فراشك مضاجعاً لزوجتك ثم أمسكتها بعد أن بغت؟
وأما أنت يا أعور ثقيف، ففي أي ثلاث تسب علياً، أفي بعده من رسول الله أم في حكم جائر أم في رغبة في الدنيا؟ فان قلت شيئاً من ذلك فقد كذبت وأكذبك الناس، وان زعمت أن علياً قتل عثمان فقد كذبت وأكذبك الناس، وأما وعيدك فإنما مثلك كمثل بعوضة وقفت على نخلة فقالت لها: استمسكي فاني أريد أن أطير، فقالت لها النخلة: ما علمت بوقوفك فكيف يشق علي طيرانك، وأنت فما شعرنا بعداوتك فكيف يشق علينا سبك؟ ثم نفض ثيابه وقام.
فقال لهم معاوية: ألم أقل لكم أنكم لا تنتصفون منه، فوالله لقد أظلم علي البيت حتى قام، فليس فيكم بعد اليوم خيرٌ(2).
قال الخوارزمي: «وقيل: ان معاوية قدم المدينة وجلس للعطاء، فكان يعطي ما بين خمسين ألف إلى مائة ألف فأبطأ عليه الحسن، فلما كان آخر النهار دخل عليه فقال معاوية: أبطأت علينا يا أبا محمّد لعلك اردت أن تبخلنا، ثم قال: إعطه يا غلام مثل ما أعطيت اليوم أجمع، ثم قال: خذها يا أبا محمّد وأنا ابن هند، فقال الحسن: لقد رددتها عليك وأنا ابن فاطمة»(3).
وروي: «أن الحسن بن علي عليهما السلام دخل على معاوية وهو مضطجع على سريره، فسلّم عليه فقام إليه وصافحه ثم اضطجع، فجلس الحسن عند رجليه فقال: يا أبا محمّد الاّ تعجب من اُم المؤمنين عائشة تزعم أني لست أهلا للخلافة، فقال الحسن: أو عجبت مما قالت؟ قال: بلى كلّ العجب، فقال الحسن: فأعجب من ذلك جلوسي عند رجليك وأنت مضطجع، فاستحيى معاوية وقام وأقبل عليه ثم قال له: أقسمت عليك كم عليك من الدين؟ قال له: مائة ألف، فقال: يا غلام إحمل معه ثلثمائة ألف، فلما خرج قال له ابنه يزيد: يا أبة انه استقبلك بكل مكروه وأعطيته ما أعطيته فقال: يا بني ان الحق والله حقهم وأخذناه أفلا نردفهم ـ يا بني ـ على دابتهم التي ركبناها»(4).
قال ابن أبي الحديد: «لقي عمرو بن العاص الحسن في الطواف فقال: يا حسن، زعمت أن الدين لا يقوم الاّ بك وبأبيك، فقد رأيت الله أقامه بمعاوية فجعله راسياً بعد ميله وبيناً بعد خفائه، أفرضي الله بقتل عثمان، أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحن عليك ثياب كغرتي البيض وأنت قاتل عثمان، والله انه لألم للشعث واسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك، فقال الحسن عليه السّلام: ان لأهل النار لعلامات يعرفون بها الحاداً لأولياء الله وموالاة لأعداء الله، والله انك لتعلم أن علياً لم يرتب في الدين ولم يشك في الله ساعة ولا طرفة عين قط، وأيم الله لتنتهين يا ابن أم عمرو أو لأنفذن حضنيك بنوافذ أشد من القصبعية، فإياك والتهجم علي، فاني من قد عرفت، لست بضعيف الغمزة ولا هش المشاشة ولا مري المأكلة، واني من قريش كواسطة القلادة، يعرف حسبي ولا أدعى لغير أبي، وأنت من تعلم ـ ويعلم الناس ـ تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزارها ألأمهم حسباً واعظمهم لؤماً، فإياك عني(5) فانك رجس ونحن أهل بيت الطهارة أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً. فافحم عمرو وانصرف كئيباً»(6).
روى ابن أبي الحديد عن الشعبي قال: «قام الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر فقال له: انزل عن منبر أبي، فقال أبو بكر: صدقت، والله انه لمنبر أبيك لا منبر أبي، فبعث علي إلى أبي بكر: انه غلام حدث وإنا لم نأمره، فقال أبو بكر: صدقت إنا لم نتهمك»(7).

(1) سورة الكوثر: 3.
(2) ثمرات الأوراق في المحاضرات، بهامش المستطرف في كل فن مستظرف ج1 ص55، رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج2 ص101 طبعة مصر، والخوارزمي في مقتل الحسين ج1 ص114، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص200 وله تفسير غريب في هذه الواقعة، وقال العلامة الشيخ باقر القرشي: «لقد كان الإمام في جميع تلك المناظرات هو الظافر المنتصر، وخصومه الضعفاء قد عرتهم الاستكانة والهزيمة، والذهول وقد أوصاهم كبيرهم [معاوية] بعد ما شاهد اشلاءهم مضرجة بطعناتة أن يجتنبوا محاورته» (حياة الإمام الحسن ج2 ص297).
(3) مقتل الحسين ج1 ص132.
(4) المصدر ص122، وأورده ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج4 ص4 طبعة مصر.
(5) قال سبط ابن الجوزي: «ذكر الكلبي في المثالب قال: كانت النابغة أم عمرو بن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكة فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من قريش، منهم أبو لهب، وأمية بن خلف وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب في طهر واحد.
قال الكلبي: «وكان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون وأمية بن عبد شمس وعبد الرحمان بن الحكم بن أبي العاص أخو مروان بن الحكم وعتبة بن أبي سفيان، أخو معاوية وعقبة بن أبي معيط، فلما حملت النابغة بعمر و تكلموا فيه فلما وضعته إختصم فيه الخمسة الذين ذكرناهم كل واحد يزعم أنه ولده وألب عليه العاص بن وائل وأبو سفيان بن حرب كل واحد يقول: والله انه مني فحكما النابغة فاختارت العاص، فقالت: هو منه، فقيل لها: ما حملك على هذا وأبو سفيان اشرف من العاص؟ فقالت: هو كما قلتم الاّ أنه رجلٌ شحيح والعاص جواد ينفق على بناتي وأبو سفيان لا ينفق عليهن وكان لا بنات» (تذكرة الخواص ص204).
(6) شرح نهج البلاغة ج4 ص10.
(7) شرح نهج البلاغة ج2 ص17.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *