ما قاله التابعون في فضل علي بن أبي طالب

ما قاله التابعون في فضل علي بن أبي طالب
عكرمة(1):
قال سبط إبن الجوزي: «قال عكرمة: وسمع أقواماً يتناولون علياً عليه السّلام فقال: ويحكم أتذكرون رجلا كان يسمع وطء جبريل عليه السّلام فوق بيته ولقد عاتب الله أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في القرآن ولم يذكره إلاّ بخير»(2).
أبو قيس الأودي(3).
قال أبو قيس الأودي: «أدركت الناس وهم ثلاث طبقات: أهل دين يحبون علياً، أهل الدنيا يحبون معاوية، خوارج»(4).
قنبر(5):
سئل «مولى من أنت؟ فقال: أنا مولى من ضرب بسيفين، وطعن برمحين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين، وهاجر الهجرتين، ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا مولى صالح المؤمنين ووارث النبيين وخير الوصّيين وأكبر المسلمين ويعسوب المؤمنين ونور المجاهدين ورئيس البكّائين وزين العابدين وسراج الماضين وضوء القائمين وأفضل القانتين ولسان رسول رب العالمين وأول المؤمنين من آل يسين، المؤيد بجبريل الأمين والمنصور بميكائيل المتين والمحمود عند أهل السماء أجمعين سيد المسلمين والسابقين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمحامي عن حرم المسلمين ومجاهد أعدائه الناصبين ومطفي نيران الموقدين وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب واستجاب لله أمير المؤمنين ووصيي نبيّه في العالمين وأمينه على المخلوقين وخليفة من بعث اليهم أجمعين سيّد المسلمين والسابقين وقاتل الناكثين والقاسطين ومبيد المشركين، وسهم من مرامى الله على المنافقين ولسان كلمة العابدين، ناصر دين الله وولي الله ولسان كلمة الله وناصره في أرضه وعيبة علمه وكهف دينه، إمام الأبرار من رضي عنه العلي الجبار، سمحٌ سخي حيّىٌ بهلول سنحنحي زكي مطهر أبطحي باذل جرّي همام صابر صوام مهدي مقدام، قاطع الأصلاب مفرق الأحزاب عالي الرقاب، أربطهم عناناً وأثبتهم جناناً وأشدهم شكيمة بازل باسل صنديد، هزبر ضرغام حازم عزّام حصيف خطيب محجاج، كريم الأصل شريف الفضل، فاضل القبيلة نقي العشيرة زكي الركانة مؤدي الأمانة، من بني هاشم وإبن عم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والإمام مهدي الرشاد مجانب الفساد الأشعث الحاتم بطل الجماجم، والليث المزاحم بدري مكي حنفي روحاني شعشعاني، من الجبال شواهقها ومن ذي الهضاب رؤوسها، ومن العرب سيّدها ومن الوغى ليثها، البطل الهمام والليث المقدام والبدر التمام، محل المؤمنين ووارث المشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين والله أمير المؤمنين حقاً حقاً علي بن أبي طالب عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنيّة»(6).
قال المجلسي: «قال الحجاج بن يوسف الثقفي ذات يوم: أحب أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله بدمه، فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فأتي به، فقال له: أنت قنبر؟ قال: نعم، قال: أبو همدان؟ قال: نعم قال: مولى علي بن أبي طالب عليه السّلام؟ قال: الله مولاي وأمير المؤمنين علي ولي نعمتي قال: ابرأ من دينه، قال: فإذا برئت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه؟ قال: اني قاتلك فاختر أي قتلة أحب إليك، قال: قد صيرت ذلك اليك، قال: ولم؟ قال: لأنك لا تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها، وقد أخبرني أمير المؤمنين عليه السّلام أن ميتتي تكون ذبحاً ظلماً بغير حق، قال: فأمر به فذبح»(7).
محمّد بن أبي حذيفة:(8)
لما توفي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام أخذه معاوية وأراد قتله فحبسه في السجن دهراً، ثم قال معاوية ذات يوم: ألا نرسل إلى هذا السفيه محمّد بن أبي حذيفة فنبكته ونخبره بضلاله ونأمره أن يقوم فيسب علياً؟ قالوا: نعم، فبعث إليه معاوية فأخرجه من السجن، فقال له معاوية: يا محمّد بن أبي حذيفة، ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علي بن أبي طالب الكذّاب، ألم تعلم أنّ عثمان قتل مظلوماً وأن عايشة وطلحة والزبير خرجوا يطلبون بدمه، وأن علياً هو الذي دس في قتله، ونحن اليوم نطلب بدمه؟ قال محمّد بن أبي حذيفة: إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحماً وأعرفهم بك، قال: أجل، قال: فوالله الذي لا إله غيره ما أعلم أحداً أشرك في دم عثمان وألبّ عليه غيرك، لما استعملك ومن كان مثلك، فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك فأبى، ففعلوا به ما بلغك، ووالله ما أحد اشترك في قتله بديئاً وأخيراً إلاّ طلحة والزبير وعايشة، فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة والبّوا عليه الناس، وشركهم في ذلك عبد الرحمن ابن عوف وابن مسعود وعمّار والأنصار جميعاً، قال: قد كان ذلك، قال: والله اني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد، ما زاد الإسلام فيك قليلا ولا كثيراً، وأن علامة ذلك فيك لبينة، تلومني على حبي علياً؟ خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري وأنصاري، وخرج معك أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء خدعتهم عن دينهم وخدعوك عن دنياك، والله يا معاوية ما خفي عليك ما صنعت وما خفي عليهم ما صنعوا إذ أحلّوا أنفسهم بسخط الله في طاعتك، والله لا أزال أحب علياً لله وأبغضك في الله وفي رسوله أبداً ما بقيت، قال معاوية: واني أراك على ضلالك بعد، ردوه فردوه وهو يقرأ في السجن (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فمات في السجن»(9).
زاذان(10):
قال سعد الخفاف: «قلت لزاذان: انك لتقرأ القرآن فتحسن قرائته فعلى من قرأت؟ فتبسم ثم قال: ان أمير المؤمنين مرّ بي وأنا أنشد الشعر وكان لي خلق حسن فأعجبه صوتي فقال: يا زاذان فهلا بالقرآن، قلت: يا أميرالمؤمنين فكيف لي بالقرآن فوالله ما أقرأ منه إلاّ بقدر ما أصلي به، قال: فادن مني فدنوت منه فتكلم في أذني بكلام ما عرفته ولا علمت ما يقول، ثم قال: افتح فاك فتفل في فيّ، فوالله ما زالت قدمي من عنده حتى حفظت القرآن بإعرابه وهمزه وما احتجت أن أسأل عنه أحداً بعد موقفي ذلك، قال سعد فقصصت قصة زاذان على أبي جعفر، قال: صدق زاذان ان أمير المؤمنين دعى لزاذان بالاسم الأعظم الذي لا يرد»(11).
روى محبّ الدين الطبري بأسناده عن زاذان: «أنّ علياً حدث حديثاً فكذبه رجل فقال علي عليه السّلام أدعو عليك إن كنت صادقاً، قال: نعم فدعا عليه فلم ينصرف حتى ذهب بصره»(12).
روى زاذان عن جرير قال: «لما قفل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من مكة وبلغ وادياً يقال له وادي خم به غدير، قام في المهاجرة خطيباً فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا له مولى. قد بلغت؟ قال زاذان: قلت لجرير: من حضر ذلك الموضع؟ فقال جماعة من أصحاب رسول الله سمعوا كما سمعت، ثم عد أصحاب رسول الله فلم يبق منهم إلاّ من نسى ذكره، وذكر أبا بكر وعمر»(13).
صعصعة بن صوحان(14)
عن صعصعة بن صوحان: «أنه مر على المغيرة بن شعبة، فقال له: من أين أقبلت؟ فقال: من عند الولي التقي الجواد الحيّ الحليم الوفي الكريم الحفي المانع بسيفه الجواد بكفه الوريّ زنده الكثير رفده، الذي هو من ضئضىء أشراف أمجاد ليوث أنجاد ليس باقعاد ولا انكاد، ليس في أمره ولا في قوله فند، ليس بالطايش النزق ولا بالرايث المذق، كريم الابناء شريف الآباء حسن البلاء ثاقب السناء مجرب مشهور وشجاع مذكور زاهد في الدنيا راغب في الأخرى. فقال المغيرة بن شعبة: هذه صفات أمير المؤمنين علي عليه السّلام»(15).
«قدم معاوية الكوفة فدخل عليه رجال من أصحاب علي وكان الحسن قد أخذ الأمان لرجال منهم مسمّين بأسمائهم وأسماء آبائهم وكان فيهم صعصعة فلما دخل عليه صعصعة، قال معاوية لصعصعة: أما والله اني كنت لأبغض أن تدخل في أماني، قال، وأنا والله أبغض أن اسميك بهذا الإسم، ثم سلم عليه بالخلافة، قال: فقال معاوية: إن كنت صادقاً فاصعد المنبر فالعن علياً، قال: فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدم شره وأخر خيره وأنه أمرني أن العن عليّاً فالعنوه لعنه الله فضجّ أهل المسجد بآمين، فلما رجع إليه فأخبره بما قال، قال: لا والله ما عنيت غيري ارجع حتى تسميه باسمه، فرجع وصعد المنبر، ثم قال أيها الناس إن أميرالمؤمنين أمرني أن العن علي بن أبي طالب فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب! قال: فضجوا بآمين: قال: فلما خبر معاوية قال: لا والله ما عنى غيري، أخرجوه لا يساكنني في بلد، فأخرجوه»(16).
ضرار بن ضمرة الضبابي(17)
ذكر ابن عبد البر: «قال معاوية لضرار: يا ضرار، صف لي علياً قال: إعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنه، قال: أما إذ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سالناه وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبةً له، يعظم أهل الدّين ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييئس الضعيف من عدله، وأشهد أنه لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سُدُوله، وغارت نجومه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرّي غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها»(18).
الحارث الأعور(19)
روى علباء بن أحمر أن علي بن أبي طالب عليه السّلام خطب الناس، فقال من يشتري علماً بدرهم فاشترى الحارث الأعور صحفاً بدرهم، ثم جاء بها علياً فكتب له علماً كثيراً. ثم ان علياً خطب الناس بعد فقال: يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل(20).
روى محب الدين الطبري بأسناده عن الحارث، قال: كنت مع علي بن أبي طالب بصفين فرأيت بعيراً من إبل الشام جاء وعليه راكبه وثقله فألقى ما عليه وجعل يتخلل الصفوف حتى إنتهى إلى علي فوضع مشغره ما بين رأس علي ومنكبه وجعل يحركها بجرانه، فقال علي: انها والله لعلامة بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: فجد الناس في ذلك اليوم واشتد قتالهم(21).
وقال: أتيت أمير المؤمنين علياً عليه السّلام ذات ليلة، فقال يا اعور ما جاء بك؟ قال، فقلت: يا أمير المؤمنين جاء بي والله حبك، قال، فقال: أما إني سأحدثك لتشكرها، أما انه لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحب ولا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره(22).
الحسن البصري(23)
قال الحسن: «يرحم الله علياً ما استطاع عدوه ولا وليه أن ينقم عليه في حكم حكمه ولا قسم قسمه»(24).
قال هشام بن حسّان: «بينا نحن عند الحسن إذ أقبل رجل من الأزارقة، فقال له: يا أبا سعيد ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: فاحمرّ وجنتا الحسن، وقال: رحم الله علياً، ان علياً كان سهماً لله صائباً في أعدائه، وكان في محلة العلم أشرفها وأقربها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان رباني هذه الأمة، لم يكن لمال الله بالسروقة ولا في أمر الله بالنؤمة، أعطى القرآن عزيمة علمه، فكان منه في رياض مونقة واعلام بينة، ذاك علي بن أبي طالب يالكع»(25).
عن الحسن بن أبي الحسن، وقد سئل عن علي عليه السّلام قال: «كان والله سهماً صائباً من مرامي الله عزّوجل على عدوه ورباني هذه الأمة وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يكن بالنؤمة عن أمر الله ولا بالملومة في دين الله ولا بالسروقة لمال الله عزّوجل، اعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة. ذاك علي بن أبي طالب»(26).
الشعبي(27):
قال الشعبي: «ما ترك علي إلاّ سبعمائة درهم من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً»(28).
سودة الهمدانية(29):
وفدت سودة على معاوية بن أبي سفيان فاستأذنت عليه، فأذن لها: فلما دخلت عليه سلمت فقال لها: كيف أنت يا ابنة الأشتر؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين، قال لها: أنت القائلة لأبيك [لأخيك]:
شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة *** يوم الطعان وملتقى الأقران
وانصر علياً والحسين ورهطه *** واقصد لهند وابنها بهوان
إن الإمام أخا النبيّ محمّد *** علم الهدى ومنارة الايمان
فقد الجيوش وسر أمام لوائه *** قدماً بأبيض صارم وسنان
قالت: أي والله ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب، قال لها: فما حملك على ذلك؟ قالت: حب علي واتباع الحق، قال: فوالله ما أرى عليك من أثر علي شيئاً، قالت: يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب فدع عنك تذكار ما قد نسي وإعادة ما مضى، قال: هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى وما لقيت من قومك وأخيك، قالت: صدقت والله يا أمير المؤمنين ما كان أخي خفي المقام ذليل المكان ولكن كما قالت الخنساء:
وان صخراً لتأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار
وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه، قال: قد فعلت، فقولي ما حاجتك؟ قالت: يا أمير المؤمنين إنك أصبحت للناس سيداً ولأمرهم متقلداً والله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا. ولا يزال يقوم علينا من ينوء بعزك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس البقر ويسومنا الخسيسة ويسلبنا الجليلة. هذا بسر بن أرطاة(30) قدم علينا من قبلك فقتل رجالي واخذ مالي ولو لا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فاما عزلته عنا فشكرناك وإما لا فعرفناك، فقال معاوية: أتهدديني بقومك! لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه، فأطرقت تبكي، ثم أنشأت تقول:
صلّى الاله على جسم تضمّنه *** قبر فأصبح فيه العدل مدفوناً
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا *** فصار بالحق والايمان مقروناً
قال معاوية: ومن ذلك؟ فقالت: علي بن أبي طالب، قال: وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟ قالت: قدمت عليه في رجل ولاّه صدقتنا، فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين، فأتيت علياً لأشكو إليه ما صنع، فوجدته قائماً يصلي، فلما نظر إلي انفتل من صلاته، ثم قال لي برأفة وتعطف: ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر، فبكى، ثم قال: اللهم انك أنت الشاهد علي وعليهم أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقّك، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب، فكتب فيها بسم الله الرّحمن الرّحيم (قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ)(31) (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(32) (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظ)(33) إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام، فأخذته منه، والله ما ختمه بطين ولا حزمه بحزام. فقال معاوية: اكتبوا لها بالأنصاف لها والعدل عليها، فقالت: إلى خاصة أم لقومي عامة؟ قال: وما أنت وغيرك؟ قالت: هي والله اذن الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلا شاملا وإلاّ فأنا كسائر قومي، قال: هيهات لمظكم ابن أبي طالب الجرأة وغركم قوله:
فلو كنت بوّاباً على باب جنة *** لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
ثم قال: اكتبوا لها ولقومها بحاجتها»(34).
الزرقاء الكوفية(35):
بينما معاوية بن أبي سفيان جالس في ديوانه بدمشق بعد ما ال الأمر إليه واجتمع حوله حاشيته تذاكروا حرب صفين فقال أحدهم: انه رأى الزرقاء وهي راكبة على بعير واقفة بين الصفين وهي تحرض الناس على القتال ولم ترهب أحداً من الفريقين فقال معاوية: أوهي حية إلى الآن؟ فقيل له: نعم هي مقيمة بالكوفة فقال: يجب أن نستقدمها الينا. ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يوقرها مع ثقة من ذوي محارمها وعدّة من فرسان قومها وأن يمهد لها وطاء ليناً ويسترها بستر حصين ويوسع لها في النفقة، فأرسل إليها فأقرأها الكتاب فقالت: إن كان أمير المؤمنين جعل الخيار لي فاني لا آتيه وان كان حتماً فالطاعة أولى، فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به، فلما دخلت على معاوية قال: مرحباً وأهلا قدمت خير مقدم قدمه وافد كيف حالك؟ قالت: بخير يا أمير المومنين أدام الله لك النعمة، قال: أتدرين فيم بعثنا إليك، قالت: اني لا أعلم ما لم أعلم قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر الواقفة بين الصفين تحضين على القتال وتوقدين الحرب فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب ولم يعد ما ذهب والدهر ذو غير، من تفكر بصر، والأمر يحدث بعده الأمر، قال لها معاوية: أتحفظين كلامك يومئذ؟ قالت: لا والله لا أحفظه ولقد أنسيته، قال: لكني أحفظه، لله أبوك حين تقولين أيها الناس ارعوا وارجعوا، انكم قد أصبحتم في فنة غشتكم جلاليب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء لا تسمع لناعقها ولا تنساق لقائدها، ان المصباح لا يضيء في الشمس ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه ومن سألنا أخبرناه، أيها الناس ان الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين على المضض فكأن قد اندمل الشتات والتأمت كلمة الحق ودمغ الحق الظلمة، فلا يجهلن أحد فيقول كيف وأنى؟ ليقضي الله أمراً كان مفعولا، الآن آن الأوان خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ولهذا اليوم ما بعده (والصبر خير في الأمور عواقباً) ايها في الحرب قدماً غير ناكصين ولا متشاكسين.
ثم قال لها: والله يا زرقاء لقد أشركت علياً في كل دم سفكه، قالت: أحسن الله بشارتك وأدام سلامتك، مثلك من يبشر بخير ويسر جليسه قال: أو يسرك ذلك؟ قالت: نعم والله لقد سررت بالخبر فأنى لك بتصديق الفعل، فضحك، وقال لها: والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته. اذكري حاجتك، قال: يا أمير المومنين آليت على نفسي أن لا أسأل أميراً أعنت عليه أبداً ثم انصرفت. وبعد ذلك أرسل لها معاوية جائزتها»(36).

أم الخير(37):
كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن أوفد عليّ أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية رحلة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة، واعلم أني مجازيك بقولها فيك، بالخير خيراً وبالشر شراً. فلما ورد عليه الكتاب ركب اليها فأقرأها إياه فقالت أم الخير: أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري تجري مجرى النفس يغلي بها غلي المرجل بحب البلسن يوقد بجزل السمر، فلما حملها وأراد مفارقتها قال: يا أم الخير ان معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل بقولك فيّ بالخير خيراً والبشر شراً فانظري كيف تكونين، قالت: يا هذا لا يطمعك والله برك بي في تزويقي الباطل ولا يؤنسك معرفتك إياي أن أقول فيك غير الحق، فسارت خير مسير فلما قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً، ثم أذن لها في اليوم الرابع، وجمع لها الناس فدخلت عليه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: وعليك السلام وبالرغم والله منك دعوتني بهذا الأسم، فقالت: مه يا هذا، فان بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه قال: صدقت يا خالة، وكيف رأيت مسيرك؟ قالت: لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت إلى ملك جزل وعطاء بذل فأنا في عيش أنيق عند ملك رفيق، فقال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم وأعنت عليكم قالت: مه يا هذا، لك والله من دحض المقال ما تردى عاقبته قال: ليس لهذا أردناك قالت: إنما اجري في ميدانك إذا اجريت شيئاً أجريته فاسأل عما بدا لك، قال: كيف كان كلامك يوم قتل عمّار بن ياسر؟ قالت: لم أكن والله روّيته قبل ولا زورته بعد وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة فان شئت أن احدث لك مقالا غير ذلك فعلت قال: لا أشاء ذلك. ثم التفت إلى أصحابه فقال: ايكم حفظ كلام أم الخير؟ قال رجل من القوم: أنا احفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد قال: هاته قال: نعم، كأني بها يا أمير المؤمنين وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية وهي على جمل أرمك وقد أحيط حولها حواء وبيدها سوط منتشر الضفر وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(38)إن الله قد أوضح الحق وأبان الدليل ونور السبيل ورفع العلم فلم يدعكم في عمياء مبهمة ولا سوداء مدلهمة فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ أفراراً عن أمير المؤمنين أم فراراً من الزحف أم رغبة عن الاسلام أم ارتداداً عن الحق؟ أما سمعتم الله عزّوجلّ يقول: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الُْمجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)(39)؟ ثم رفعت رأسها الى السماء وهي تقول: اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشر الرغب، وبيدك يا رب ازمة القلوب فاجمع إليه الكلمة على التقوى والف القلوب على الهدى وأردد الحق إلى أهله، هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والوصي الوفي والصديق الأكبر، انها إحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن احدية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد شمس، ثم قالت (قَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)(40) صبراً معشر الأنصار والمهاجرين قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم، وكأني بكم غداً لقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى، عما قليل ليصبحنَّ نادمين حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الأقالة، إنه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل ومن لم يسكن الجنة نزل النار. أيها الناس ان الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستبطأوا مدة الآخرة فسعوا لها، والله أيها الناس لو لا أن تبطل الحقوق وتعطل الحدود ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وزوج ابنته وأبي ابنيه، خلق من طينته وتفرع من نبعته وخصه بسرّه وجعله باب مدينته وعلم المسلمين وأبان ببغضه المنافقين، فلم يزل كذلك يؤيده الله عزّوجل بمعونته، ويمضي على سنن استقامته، لا يعرج لراحة الدأب، ها هو مفلّق الهام ومكسر الأصنام إذ صلى والناس مشركون وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وفرق جمع هوازن، فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً وردة وشقاقاً. قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال معاوية: والله يا أم الخير، ما أردت بهذا الكلام إلاّ قتلي، والله لو قتلتك ما حرجت في ذلك، قالت: والله ما يسؤني يا ابن هند أن يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه. قال: هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان؟ قالت: وما عسيت أن أقول فيه، استخلفه الناس وهم له كارهون وقتلوه وهم راضون، فقال معاوية: إيها يا أم الخير هذا والله أصلك الذي تبنين عليه. قالت: (لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً)(41) ما أردت لعثمان نقصاً ولكن كان سباقاً إلى الخيرات وإنه لرفيع الدرجة، قال: فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟ قالت: وما عسى أن أقول في طلحة، اغتيل من مأمنه وأوتي من حيث لم يحذر وقد وعده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الجنة قال: فما تقولين في الزبير؟ قالت يا هذا لا تدعني كرجيع الصبيغ يعرك في المركن قال: حقاً لتقولن ذلك وقد عزمت عليك، قالت: وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وحواريه، وقد شهد له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالجنّة، ولقد كان سباقاً إلى كل مكرمة في الإسلام، وإني أسألك بحق الله يا معاوية فان قريشاً تحدث أنك أحلمها فأنا أسألك بأن تسعني بفضل حلمك وأن تعفيني من هذه المسائل وامض لما شئت من غيرها، قال: نعم وكرامة قد أعفيتك وردّها مكرمة إلى بلدها»(42).
أم البراء بنت صفوان بن هلال(43):
استأذنت أم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية فأذن لها فدخلت في ثلاثة دروع تسحبها، قد كارت على رأسها كوراً كهيئة النسف فسلمت ثم جلست،فقال: كيف أنت يا بنت صفوان؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين، قال: فكيف حالك؟ قالت: ضعفت بعد جلد وكسلت بعد نشاط، قال: شتّان بينك اليوم وحين تقولين:
يا عمرو دونك صامراً ذا رونق *** عضب المهزة ليس بالخوار
أسرج جوادك مسرعاً ومشمراً *** للحرب غير معرد لفرار
أجب الامام ودب تحت لوائه *** وافر العدو بصارم بتّار
يا ليتني أصبحت ليس بعورة *** فأذب عنه عساكر الفجار
قالت: قد كان ذاك يا أمير المومنين ومثلك عفا والله تعالى يقول: (عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف) قال: هيهات، أما إنه لو عاد لعدت ولكنه اخترم دونك فكيف قولك حين قتل؟ قالت: نسيته يا أمير المؤمنين، فقال بعض جلسائه هو والله حين تقول يا أمير المؤمنين:
يا للرجال لعظم هول مصيبة *** فدحت فليس مصابها بالهازل
الشمس كاسفة لفقد امامنا *** خير الخلائق والإمام العادل
يا خير من ركب المطي ومن مشى *** فوق التراب لمحتف أو ناعل
حاشا النبيّ لقد هددت قوائنا *** فالحق أصبح خاضعاً للباطل
فقال معاوية: قاتلك الله يا بنت صفوان ما تركت لقائل مقالا. أذكري حاجتك، قالت: هيهات بعد هذا والله لا سألتك شيئاً، ثم قامت فعثرت فقالت: تعس شانىء علي، فقال: يا بنت صفوان زعمت الإقالة هو ما علمت، فلما كان من الغد بعث اليها بكسوة فاخرة ودراهم كثيرة، وقال: إذا أنا ضيّعت الحلم فمن يحفظه؟»(44).
عكرشة بنت الأطرش(45):
دخلت عكرشة على معاوية متوكئة على عُكّاز لها فسلمت عليه بالخلافة، ثم جلست فقال لها معاوية: الآن صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت: نعم إذ لا علي حي قال: ألست المتقلدة حمائل السيف بصفين وأنت واقفة بين الصفين تقولين: ايها الناس: (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) إن الجنة لا يحزن من قطنها، ولا يهرم من سكنها، ولا يموت من دخلها، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا تنصرم همومها، وكونوا قوماً مستبصرين في دينهم مستظهرين على حقهم. ان معاوية دلف اليكم بعجم العرب لا يفقهون الإيمان، ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم إلى الباطل فأجابوه، واستدعاهم إلى الدنيا فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله، وإياكم والتواكل فان ذلك ينقض عُرى الإسلام ويطفىء نور الحق، هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى، يا معشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأني بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تقصع قصع البعير، ثم قال: فكأني أراك على عصاك هذه قد انكفأ عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الأطرش فان كدت لتفلّين أهل الشام لو لا قدرُ الله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً)(46) فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين يقول الله جل ذكره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(47) الآية، وان اللبيب إذا كره أمراً لا يحب اعادته، قال: صدقت فاذكري حاجتك، قالت: كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتُرد على فقرائنا وقد فقدنا ذلك، فما يجبر لنا كسير، ولا ينعش لنا فقير، فإن كان عن رأيك فمثلك من انتبه من الغفلة وراجع التوبة، وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة، قال معاوية: يا هذه انّه ينوبنا من أمور رعيتنا ثغور تتفق، وبحور تتدفق، قالت: سبحان الله، والله ما فرض الله لنا حقاً فجعل فيه ضرراً لغيرنا وهو علام الغيوب، قال معاوية: هيهات يا أهل العراق نبهكم علي فلن تطاقوا، ثم أمر بردّ صدقاتهم فيهم وانصافهم»(48).
دارمية الحجونية(49):
حجّ معاوية سنة من سنينه فسأل عنها، وكانت امرأة سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها فبعث اليها فجيء بها، فقال لها: كيف حالك يا ابنة حام قالت: بخير ولست لحام انما أنا امرأة من قريش من بني كنانة ثمت من بني أبيك قال: صدقت هل تعلمين لم بعثت إليك؟ قالت لا، يا سبحان الله وأنى لي بعلم ما لم أعلم، قال: بعثت إليك أن أسألك علام أحببت علياً وأبغضتيني وعلام واليتيه وعاديتيني؟ قالت: أو تعفيني من ذلك؟ قال: لا أعفيك ولذلك دعوتك قالت: فأما إذ أبيت فاني احببت علياً على عدله في الرعية وقسمه بالسوية وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك وطلبك ما ليس لك، وواليت علياً على ما عقد له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الولاية وحب المساكين واعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك الدماء وشقك العصا قال: صدقت فلذلك انتفخ بطنك وكبر ثديك وعظمت عجيزتك، قالت: يا هذا بهند والله يضرب المثل لا أنا، قال معاوية: يا هذه لا تغضبي فانا لم نقل إلاّ خيراً، انّه إن انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها وإذا كبر ثديها حسن غذاء ولدها وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها، فرجعت المرأة فقال لها: هل رأيت علياً؟ قالت: أي والله لقد رأيته، قال: كيف رأيته؟ قالت لم ينفخه الملك ولم تصقله النعمة، قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم قال: فكيف سمعته؟ قال: كان والله كلامه يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صداء الطست، قال: صدقت، هل لك من حاجة؟ قالت: وتفعل إذا سألت؟ قال: نعم. قالت: تعطيني مئة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها، قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: اغذو بألبانها الصغار واستحني بها الكبار واكتسب بها المكارم وأصلح بها بين عشائر العرب، قال: فان أنا أعطيتك هذا أحلّ منك محل علي؟ قالت: يا سبحان الله أودونه أو دونه. فقال معاوية:
إذا لم أجد بالحلم منكم عليكم *** فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم
خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد *** حباك على حرب العداوة بالسلم
أما والله لو كان علي ما أعطاك شيئاً، قالت: أي والله ولا برة واحدة من مال المسلمين يعطيني، ثم أمر لها بما سألت»(50).
أروى الهاشمية(51):
روى أنس بن مالك، قال دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم وهي عجوز كبيرة فلما رآها قال: مرحباً بك يا عمة قالت: كيف أنت يا ابن أخي لقد كفرت بعدي بالنعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الاسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فاتعس الله منكم الجدود واصعر منكم الخدود حتى رد الله الحق إلى أهله وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً، حتى قبض الله نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته شريفاً عند الله مرضياً، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي)ولم يجمع بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لنا شمل ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة وغايتكم النار، قال عمرو بن العاص: أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك وغضّي من طرفك، قالت: ومن أنت لا أم لك؟ قال: عمرو بن العاص، قالت: يا ابن اللخناء النابغة أتكلمني أربع على ظلعك واعن بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قريش اللباب من حسبها ولا كريم منصبها ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه أبوك ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر فأتم بهم فانك بهم أشبه، فقال مروان بن الحكم: ايتها العجوز الضالة ساخ بصرك مع ذهاب عقلك فلا يجوز شهادتك، قالت: يا بني أتتكلم فوالله لأنت الى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وانك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته وظاهر دمامته، وقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر الأمة سبط الشعر وما بينكما قرابة كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب فاسأل أمك عما ذكرت لك فانها تخبرك بشأن أبيك ان صدقت، ثم التفتت إلى معاوية فقالت: والله ما عرضني لهؤلاء غيرك وأن أمك القائلة في أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه:
نحن جزيناكم بيوم بدر *** والحرب يوم الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر *** أبي وعمي وأخي وصهري
شفيت وحشي غليل صدري *** شفيت نفسي وقضيت نذري
فشكر وحشي عليّ عمري *** حتى تغيب أعظمي في قبري
فأجبتها:
يا بنت رقاع عظيم الكفر *** خزيت في بدر وغير بدر
صبحك الله قبيل الفجر *** بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري *** حمزة ليثي وعليّ صقري
إذ رام شيب وأبوك غدري *** أعطيت وحشي ضمير الصدر
هتك وحشي حجاب الستر *** ما للبغايا بعدها من فخر
فقال معاوية لمروان وعمرو: ويلكما انتما عرضتماني لها واسمعتماني ما أكره، ثم قال لها: يا عمة اقصدي قصد حاجتك ودعي عنك أساطير النساء قالت: تأمر لي بألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار قال: ما تصنعين يا عمة بألفي دينار؟ قالت: أشتري بها عيناً خرخارة في أرض خوارة تكون لولد الحارث بن المطلب، قال: نعم الموضع وضعتها فما تصنعين بألفين دينار؟ قالت: أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم قال: نعم الموضع وضعتها فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام قال: نعم الموضع وضعتها هي لك نعم وكرامة، ثم قال: أما والله لو كان علي ما أمر لك بها قالت: صدقت، ان علياً أدى الأمانة وعمل بأمر الله وأخذ به وأنت ضيعت أمانتك وخنت الله في ماله، فأعطيت مال الله من لا يستحقه وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبينها فلم تأخذ بهاودعانا إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها، وما سألتك من مالك شيئاً فتمن به انما سألتك من حقنا ولا نرى أخذ شيء غير حقنا، أتذكر علياً فض الله فاك وأجهد بلائك، ثم علا بكاؤها وقالت:
ألا يا عين ويحك أسعدينا *** ألا وابكي أمير المؤمنينا
رزينا خير من ركب المطايا *** وفارسها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال أو احتذاها *** ومن قرأ المثاني والمئينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين *** رأيت البدر راع الناظرينا
ولا والله لا أنسى علياً *** وحسن صلاته في الراكعينا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا *** بخير الناس طراً أجمعينا
قال فأمر لها بستة الاف دينار وقال لها: يا عمة انفقي هذه فيما تحبين، فإذا احتجت فاكتبي إلى ابن أخيك يحسن صفدك ومعونتك إن شاء الله»(52).

(1) عكرمة مولى عبد الله بن عباس.
(2) تذكرة الخواص ص152.
(3) أبو قيس الأودي: اسمه عبد الرحمن، توفي سنة عشرين ومائة الطبقات الكبرى ج6 ص225.
(4) الأستيعاب ج3 ص115.
(5) قنبر مولى علي عليه السّلام، وانه سلام الله عليه عدّله، وقال أبو عبد الله عليه السّلام: كان قنبر غلام علي عليه السّلام يحب علياً حباً شديداً فإذا خرج علي عليه السّلام خرج على أثره بالسيف فرآه ذات ليلة فقال: مالك يا قنبر؟ قال: جئت لأمشي خلفك يا أمير المؤمنين، فقال: ويحك! من أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض؟ فقال: لا بل من أهل الأرض، فقال عليه السّلام ان أهل الأرض لا يستطيعون شيئاً إلاّ بإذن الله فارجع فرجع رجال البرقي ص4 وتنقيح المقال ج2 باب القاف ص30.
(6) اختيار معرفة الرجال ص72 رقم 129.
(7) بحار الأنوار الطبعة القديمة ج9 ص630، وتنقيح المقال ج2 باب القاف ص30.
(8) محمّد بن أبي حذيفة: ابن خال معاوية كان من خيار المسلمين، قال أبو الحسن الرضا عليه السّلام: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: أن المحامدة تأبى أن يعصى الله عزّوجل: محمّد بن جعفر، ومحمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن أبي حذيفة، ومحمّد بن أمير المؤمنين اختيار معرفة الرجال ص70.
(9) اختيار معرفة الرجال ص70 رقم /126.
(10) زاذان يكنى أبا عمرة الفارسي. رجال الطوسي ص42.
(11) منتهى المقال ص135 وتنقيح المقال ج1 ص436.
(12) الرياض النضرة ج3 ص257.
(13) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى لمحمّد بن محمّد الطبري ص274.
(14) صعصعة بن صوحان يكنى أبا طلحة، أخو زيد وسيحان، كان خطيباً، من أصحاب علي بن أبي طالب عليه السّلام وشهد معه الجمل هو وأخواه، وكانت الراية يوم الجمل في يد سيحان فقتل، فأخذها زيد فقتل فأخذها صعصعه، توفي بالكوفة في خلافة معاوية بن أبي سفيان وكان ثقة (الطبقات ج6 ص154) وقال السيد محمّد صادق آل بحر العلوم: ولما صرع زيد يوم الجمل جاء أمير المؤمنين عليه السّلام حتى جلس عند رأسه، فقال: رحمك الله يا زيد قد كنت خفيف المؤنة عظيم المعونة (ذيل رجال الشيخ الطوسي ص41).
(15) تذكرة الخواص ص118.
(16) إختيار معرفة الرجال ص69 الرقم 123.
(17) ترجمته في تنقيح المقال ج1 ص150 وج2 ص105.
(18) الإستيعاب ج3 ص1107، ورواه ابن أبي الحديد ج18 ص225، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص118، الزرندي في نظم درر السمطين ص134 مع فرق والزمخشري في ربيع الأبرار في باب الأوقات وذكر الدنيا والآخرة ص30 وفي باب الخير والصلاح وذكر الأخيار والصلحاء ص255.
(19) الحارث الأعور ابن عبدالله، روى عن علي عليه السّلام وعبدالله بن مسعود وكانت وفاته بالكوفة أيام عبد الله ابن الزبير، الطبقات ج6 ص116.
(20) المصدر.
(21) الرياض النضرة ج3 ص257.
(22) اختيار معرفة الرجال ص89 رقم 142.
(23) أبو سعيد الحسن بن أبو الحسن البصري مولى زيد بن ثابت الأنصاري ولد في المدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر ابن الخطاب وعاصر خمسة من أئمتنا المعصومين عليهم السلام ولم يحضر عندهم ولم ينصر الإمام الحسين المظلوم في كربلاء وهو يعد من الزهاد الثمانية وبلغ عمره نحواً من تسعين سنة وتوفي بالبصرة سنة 110 ودفن بها، راجع الكنى والألقاب وروضات الجنات.
(24) انساب الأشراف ج2 ص153.
(25) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص203 رقم 1255.
(26) الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج3 ص238.
(27) أبو عمرو عامر بن شراحيل الكوفي روى عن خمسين ومائة من الصحابة، ويقال: الشعبي في زمانه، وكان قاضياً على الكوفة توفي فجأة بالكوفة سنة 104.
(28) فضائل أحمد بن حنبل ج1 الحديث 47.
(29) سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية كانت أديبة عاقلة شاعرة من شواعر العرب ذات فصاحة وبيان، اعلام النساء ج2 ص270، الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور ص253.
(30) هو بسر بن أرطاة وكان معاوية في أيام علي سيره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ويأخذ البيعة، فسار إلى المدينة، ففعل بها أفعالا شنيعة، وسار إلى اليمن، وكان عليها عبيدالله بن العباس من قبل علي فهرب عبيدالله، فنزلها بسر وذبح عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله، وهما صغيران بين يدي أمهما عائشة بنت عبد المدان، فأصابها من ذلك حزن عظيم ذيل العقد الفريد ج2 ص103.
(31) سورة هود: 85.
(32) سورة الاعراف: 85.
(33) سورة هود: 86.
(34) اعلام النساء ج2 ص270، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص253، بلاغات النساء ص47، العقد الفريد ج2 ص102، تاريخ مدينة دمشق تراجم النساء ص178 رقم 46 مطالب السؤل ص85.
(35) الزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية كانت ذالت شجاعة وبلاغة من ربات الفصاحة والعقل والرأي عظيمة ناصرت مع قومها علي بن أبي طالب يوم صفين ولها جملة خطب ألقتها في مواقف القتال حتى خيل لمن يسمعها أنها اضغاث أحلام، أعلام النساء ج2 ص32، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص221.
(36) بلاغات النساء ص50، العقد الفريد ج2 ص106، صب الأعشى ج1 ص252 اعلام النساء ج2 ص32، الدر المنثور ص221، تاريخ مدينة دمشق تراجم النساء ص109 رقم 28.
(37) أم الخير بنت الحريش البارقية كانت من المتكلمات الخطيبات البليغات من ربات الفصاحة من نساء العرب، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص57 واعلام النساء ج1 ص389.
(38) سورة الحج: 1.
(39) سورة محمّد: 31.
(40) سورة التوبة: 12.
(41) سورة النساء : 166 .
(42) بلاغات النساء ص55، صبح الأعشى ج1 ص248 العقد الفريد ج2 ص115، وتاريخ مدينة دمشق، تراجم النساء ص512 رقم 145.
(43) قال ابن عساكر: «من النسوة الشواعر الفصيحات»، تاريخ مدينة دمشق، تراجم النساء ص478، رقم 133، وقال عمر رضا كحالة كانت شاعرة ذات لسان فصيح ومنطق مبين وهي ممن دخلن على معاوية بن أبي سفيان.
(44) بلاغات النساء ص110.
(45) عكرشة بنت الأطرش بن رواحة: «كانت فصيحة الألفاظ رقيقة حرة المنطق ذات عقل وافر جامعة بين مزيتي الشجاعة والأدب من ربات الفصاحة والبلاغة والبيان وقوة الحجة» اعلام النساء ج3 ص325، الدر المنثور فثي طبقات ربات الخدور ص348.
(46) سورة الأحزاب: 38.
(47) سورة المائدة: 101.
(48) صبح الأعشى ج1 ص253، وبلاغات النساء ص103، والعقد الفريد ج2 ص111، وتاريخ مدينة دمشق، تراجم النساء ص254، رقم 72.
(49) دارمية الحجونية من بني كنانه، كانت فصيحة اللسان بليغة البيان غير هيابة في المقال لا يسألها أحدٌ سؤالاجاوبته بأحسن جواب واقنع خطاب كانت تنزل بالحجون بمعلاة مكة، العقد الفريد ج2 ص113، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص189.
(50) بلاغات النساء ص105.
(51) أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، كانت فريدة زمانها، وبليغة عصرها وأوانها اذا خطبت اعجزت وان تكلمت أوجزت وكانت أغلظ الوافدات على معاوية بن أبي سفيان خطاباً ولا غرو فانها ابنة البلاغة ومعدن الفصاحة والحصافة (اعلام النساء ج1 ص28، والدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص25).
(52) بلاغات النساء ص43، والعقد الفريد ج2 ص119 مع فرق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *