إعتراض على علي عليه السّلام في أمر الجمل

إعتراض على علي عليه السّلام في أمر الجمل
روى أحمد بن محمّد الطبري (المعروف بالخليلي)، بسنده عن الأعمش عن عباية الاسدي قال: «بينما ابن عبّاس يحدث الناس بمكة على شفير زمزم فلما قضى حديثه نهض اليه رجل من الملأ، فقال: يا ابن عبّاس، اني رجل من أهل الشام، فقال: أعوان كل ظالم الاّ من عصمهم الله منهم فسل عمّا بدا لك، قال: يا ابن عبّاس انما جئتك لاسألك عن علي وقتاله أهل لا اله الاّ الله، لم يكفروا بقبلة ولا قرآن ولا بحج ولا بصيام شهر رمضان قال ابن عبّاس: ثكلتك امك سل عما يعنيك ولا تسأل عما لا يعنيك، فقال: يا ابن عبّاس ما جئت أضرب اليك من حمص لحج ولا لعمرة، ولكنّي جئتك لأسألك لتشرح لي أمر علي وقتاله أهل لا اله الا الله، فقال: ويحك، ان علم العالم صعب ولا يحتمل ولا يقبله القلوب الاّ قلب من عصم الله. ان مثل علي في هذه الامة كمثل موسى والعالم وذاك ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابة: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)(1) قال: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْء)(2) فكان موسى يرى ان جميع الأشياء قد اثبت له كما ترون أنتم أن علمائكم أثبتوا لكم جميع الأشياء، فلما انتهى موسى الى ساحل البحر لقى العالم فاستنطقه فأقر له بفضل علمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم علياً في علمه فقال له موسى (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)(3) فعلم العالم أن موسى لا يطيق صحبته ولا يصبر على علمه فقال له العالم (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(4) قال موسى وهو يعتذر (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فعلم ان موسى لم يصبر على علمه فقال له (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَن شَيْء حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) فركبا في السفينة فخرقها العالم وكان في خرقها لله رضى ولموسى سخطا ولقى الغلام فقتله وكان في قتله لله رضى ولموسى سخطا ثم اقام الحائط فكان في اقامته لله رضى ولموسى سخطا، كذلك علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام لم يقتل الا من كان قتله لله رضى ولأهل الجهالة من الناس سخطا. اجلس اخبرك الذي سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعاينته اخبرك ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تزوج زينب بنت جحش فأولم وكانت وليمته الحيس(5) وكان يدعو عشرة عشرة من المؤمنين فكانوا إذا اصابوا طعام نبي الله استأنسوا إلى حديثه واشتهوا النظر إلى وجهه وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يشتهي ان يخففوا عنه فيخلوا له المنزل، لأنه كان حديث عهد بعرس وكان محباً لزينب وكان يكره اذى المؤمنين فأنزل الله تبارك وتعالى فيه قرآناً قول عزّوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَام غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيث إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَاب)(6) الآيات.
فكانوا إذا أصابوا طعاماً لم يلبثوا ان يخرجوا. قال فمكث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثة أيام ولياليهن، ثم تحول إلى أم سلمة بنت أبي أمية وكانت ليلتها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وصبيحة يومها فلما تعالى النهار انتهى علي بن أبي طالب عليه السّلام إلى الباب فدقه دقاً خفيفاً عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دقه وانكرت أم سلمة، قال يا أم سلمة قومي فافتحي الباب، قالت يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ان افتح له الباب وقد نزل فينا بالأمس ما نزل حيث يقول (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَاب)من الذي بلغ من خطره ان ينظر إلى محاسني ومعاصمي؟ فقال لها نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كهيئة المغضب من يطع الرسول فقد اطاع الله، قومي فافتحي له الباب فان بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجل في أمره يحب الله ورسوله وبحبه الله ورسوله، يا ام سلمة انه أخذ بعضادتي الباب فليس بفاتحه حتى تتواري عنه ولا داخل البيت حتى تغيب عنه الوطى ان شاء الله. فقامت أم سلمة وهي لا تدري من بالباب غير انها قد حفظت المدح فمشت نحو الباب وهي تقول بخ بخ لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ففتحت وامسك علي عليه السّلام بعضادتي الباب فلم يزل قائماً حتى غاب عنه الوطى ودخلت أم سلمة خدرها، ففتح الباب ودخل فسلم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا ام سلمة هل تعرفينه؟ فقالت نعم فهنيئاً له هذا علي بن أبي طالب قال صدقت يا أم سلمة هو علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون ممن موسى غير أنه لا نبي بعدي، يا ام سلمة اسمعي واشهدي، هذا علي أميرالمؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي وبأبي الذي اوتى منه والوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الاحياء من امتي، أخي في الدنيا وقريني في الآخرة ومعي في السنام الأعلى، اشهدي يا أم سلمة أنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقال الشامي فرّجت عنّي فرّج الله عنك»(7).

(1) سورة الاعراف: 144.
(2) سورة الاعراف: 145.
(3) سورة الكهف: 66.
(4) سورة الكهف: 69.
(5) الحيس ـ الطعام المتخذ من التمر والاقط والسمن.
(6) سورة الأحزاب: 53.
(7) كتاب اليقين ص93.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *