علّيٌ يقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين

علّيٌ يقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين
روى الحاكم باسناده عن عتاب بن ثعلبة: «حدثني أبو أيّوب الانصاري في خلافة عمر بن خطاب قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي بن أبي طالب عليه السّلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»(1).
وباسناده عنه قال: «سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب عليه السّلام تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات(2)وبالسعفات، قال أبو ايوب: قلت يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع من تقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: مع علي بن أبي طالب عليه السّلام»(3).
وروى الحمويني بأسناده عن أبي سعيد الخدري قال: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من نقاتلهم؟ قال: مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر».
وبإسناده عن عبدالله، قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من بيت زينب، فأتى منزل ام سلمة فجاء علي، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة، هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين».
وباسناده عن عمرو بن مرة قال: «سمعت عمرو بن سلمة يقول: سمعت عمّار ابن ياسر يوم صفين شيخاً آدم طويلا أخذ الحربة بيده ويده ترعد، قال: والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنّنا على الحق وهم على الضلال».
وبأسناده عن الذيّال بن حرملة قال: «سمعت صعصعة بن صوحان يقول: لما عقد علي بن أبي طالب عليه السّلام الألوية أخرج لواء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم ير ذلك اللواء منذ قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. فعقده ودعا قيس بن سعد بن عبادة فدفعه اليه، واجتمعت الأنصار وأهل بدر فلما نظروا إلى لواء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بكوا فأنشأ قيس بن سعد بن عبادة يقول:
هذا اللواء الذي كنّآ نحفّ به *** دون النبي وجبريل لنا مدد
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته *** ان لا يكون له من غيرهم عضد»
وباسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليه السّلام قال: «أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين، فأما القاسطون فأهل الشام، وامّا الناكثون فذكرهم، وامّا المارقون فأهل النهروان يعني الحرورية».
وباسناده عن أم سلمة، قالت: «ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: تقتل عماراً الفئة الباغية، قال الإمام أبو بكر: فنشهد ان كل من نازع أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في خلافته فهو باغ. على هذا عهدت مشايخنا»(4).
وروى ابن المغازلي باسناده عن علي عليه السّلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا؟ قال: لا، قال عمر: فأنا؟ قال: لا ولكن خاصف النعل. يعني عليّاً»(5).
وروى البلاذري باسناده عن حكيم بن جبير، قال: «سمعت إبراهيم يقول: سمعت علقمة قال: سمعت عليّاً يقول: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وحدثت ان أبا نعيم قال لنا: الناكثون أهل الجمل، والقاسطون اصحاب صفين، والمارقون اصحاب النهر»(6).
وروى الكنجي باسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأم سلمة: «هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه لا نبي بعدي، يا ام سلمة، هذا علي أميرالمؤمنين وسيد المسلمين، ووعاء علمي، ووصيي، وبأبي الذي أوتى منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في المقام الأعلى، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين».
وفي هذا الحديث دلالة على أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعد علياً عليه السّلام بقتل هؤلاء الطوائف الثلاث، وقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حق ووعده صدق، وقد أمر صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً بقتالهم.
روى ذلك أبو ايوب عنه وأخبر أنه قاتل المشركين والناكثين والقاسطين، وانه عليه السّلام سيقاتل المارقين»(7).
وروى باسناده عن مخنف بن سليم قال: «أتينا أبا أتراب الأنصاري وهو يعلف خيلا له، قال: فقلنا عنده، فقلت له: يا أبا أيوب، قاتلت المشركين مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم جئت تقاتل المسلمين. قال: ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمرني بقتال ثلاثة، الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلت الناكثين والقاسطين وأنا مقاتل ان شاء الله المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات وما أدري أين هو؟»(8).
وقال: معنى قوله، الناكثين قتاله رضي الله عنه يوم الجمل، وقتاله القاسطين يوم صفّين، وذكر المارقين على الوصف الذي وصفه في الموضع الذي نعته قبل أن يقاتل علي عليه السّلام أصحاب النهر، وهم الخوارج الذين مرقوا عن الدين ونزعوا أيديهم من الطاعة، وفارقوا الجماعة، واستباحوا دماء أهل الإسلام واموالهم، وخرجوا على إمامهم حتى قاتلوهم، وقالوا: لا حكم الاّ لله، وفارقوا الجماعة بذلك»(9).
وقال: «يوم الجمل انما سمّي يوم الجمل لما أخبرنا… عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لنسائه: أيتكنّ صاحبة الجمل الأديب تجيىء حتى تنبحها كلاب الحوأب وتنجو بعدما كادت».
وروى باسناده عن قيس: «ان عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نبح الكلاب قالت: ما اظنني إلا راجعة ان رسول الله قال لنا: أيتّكنّ التي تنبح عليها كلاب الحوأب فقال لها ابن الزبير: لا ترجعين عسى الله أن يصل بك بين الناس»(10).
وروى محمّد بن طلحة الشافعي باسناده عن ابن مسعود، قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأتى منزل أم سلمة فجاء علي عليه السّلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي» فالنبي ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثاً صرّح بأن علياً عليه السّلام يقاتلهم بعده وهم الناكثون والقاسطون والمارقون.
وهذه الصفات التي ذكرها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد سماهم بها مشيراً إلى ان وجود كل صفة منها في الفرق المختصة بها علة لقتالهم.
فالناكثون: هم الناقضون عهد بيعتهم الموجبة عليهم الطاعة والمتابعة لامامهم الذي بايعوه محقاً فإذا نقضوا ذلك، وصدفوا عن طاعة امامهم وخرجوا عن حكمه، واخذوا قتاله بغياً وعناداً كانوا ناكثين باغين فيتعين قتالهم كما اعتمده طائفة ممن شايع علياً عليه السّلام وتابعه ثم نقض عهده وخرج عليه وهم أصحاب واقعة الجمل فقاتلهم علي فهم الناكثون.
والقاسطون: وهم الجائرون عن سنن الحق، الجانحون الباطل، المعرضون عن اتباع الهدى الخارجون عن طاعة الإمام الواجبة طاعته، فإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعين قتالهم، كما اعتمده طائفة تجمعوا واتبعوا معاوية، وخرجوا لمقاتلة علي على حقه ومنعوه اياه فقاتلهم وقايع صفين وليلة الهرير فهؤلاء هم القاسطون.
إن قلت: معاوية كان من كتاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان خال المؤمنين، فكيف تحكم عليه وعلى من معه بكونهم ـ بقتال عليّ ـ بغاة في فعلهم، جائرين عن سنن الصواب بقصدهم، قاسطين بما ارتكبوه بغيهم والجين في زمرة الخارجين عن طاعة ربهم.
قلت: لم احكم عليهم بصفة البغي ولوازمها وضعاً واختراعاً، بل حكمت بها نقلا واتباعاً، فقد روى الأئمة الاعيان من المحدثين في مسانيدهم الصحاح أحاديث متعددة رفع كل واحد منهم حديثه بسنده إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم انّه قال لعمّار بن ياسر «تقتلك الفئة الباغية» وهذه أحاديث لا خلل في اسنادها ولا اضطراب في متونها، فثبت بها أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصف الفئة القاتلة عماراً بكونها باغية، وصفة البغي لا تنفك عن لوازمها، والبغي عبارة عن الظلم وقصد الفساد، فكل من كان ظالماً جايراً كان قاسطاً خارجاً عن طاعة ربه، فتكون الفئة القاتلة عماراً متصفة بهذه الصفات بخبر الصادق عليه السّلام المعصوم، وقد ثبت ثبوتاً محكوماً بالصحة، منقولا بالخبر المستند إلى الادراك بالحواس ان عماراً كان يقاتل بين يدي علي لمعاوية واصحابه أيام صفين وانه من آخر امره استسقى فأتى بقعب فيه لبن، فلما نظر إليه كبر وقال: أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ان آخر رزقي من الدنيا لبن في مثل هذا القعب فشربه، ثم حمل بين الصفين حتى قتل في سنة سبع وثلاثين من الهجرة وعمره يومئذ ثلاث وتسعون سنة ودفن بالرقة، وقبره بها الآن.
وروى صاحب كتاب (صفة الصفوة) باسناده ان عبدالله بن سلمة، قال: «سمعت عماراً يوم صفين وهو شيخ في يده الحربة وقد نظر إلى عمرو بن العاص معه الراية في فئة معاوية يقول: ان هذه الراية قد قاتلتها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاث مرّات، وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أنا على الحق وانهم على الضلالة، إذا وضح ان عماراً تقتله الفئة الباغية وان اصحاب معاوية قتلوه فيلزم لزوماً مجزوماً به، انها الفئة الباغية فثبت لها تلك الاوصاف المقدم ذكرها على لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وامّا المارقون: فهم الخارجون عن متابعة الحق المصرّون على مخالفة الإمام المفروض طاعته ومتابعته، المصرحون بخلافه، فإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعين قتالهم كما اعتمده أهل حروراء والنهروان، فقاتلهم علي وهم الخوارج فبدأ علي عليه السّلام بقتال الناكثين وهم اصحاب الجمل، وثنى بقتال القاسطين وهم أهل الشام بصفين، وثلث بقتال المارقين وهم الخوارج أهل حروراء والنهروان»(11).
وروى الخطيب باسناده عن علقمة والاسود. قالا: اتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنزول محمّد صلّى الله عليه وسلّم وبمجىء ناقته تفضلا من الله واكراماً لك حتّى أنا خت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا اله الاّ الله فقال: يا هذا ان الرائد لا يكذب أهله، وان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي، بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فأما الناكثون فقد قابلناهم أهل الجمل طلحة والزبير، وامّا القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم ـ يعني معاوية، وعمرواً ـ وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات وأهل السعيفات، وأهل النخيلات، وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم ولكن لا بدّ من قتالهم ان شاء الله. قال وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمّار: «يا عمّار تقتلك الفئة الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمّار بن ياسر، ان رأيت علياً قد سلك واديا وسلك الناس وادياً غيره فأسلك مع علي فإنّه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى، يا عمّار من تقلد سيفاً أعان به علياً على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار. قلنا يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله»(12).

(1) المستدرك على الصحيحين ج3 ص139.
(2) نهروان ـ كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها الاعلى متصل ببغداد ـ معجم البلدان ج5 ص324.
(3) المصدر ص139.
(4) فرائد المسطين ج1 ص281ـ287، وروى الخوارزمي خبري سعد بن عبادة وامّ سلمة في المناقب ص123 و ص125.
(5) المناقب ص54 الحديث 78، ورواه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ج ص33 والحاكم في المستدرك على الصحيحين ج3 ص123. بسندهما عن أبي سعيد مع فرق.
(6) أنساب الأشراف ج2 ص138 الحديث 129.
(7) كفاية الطالب ص168.
(8) المصدر… 169.
(9) كفاية الطالب ص169.
(10) المصدر ص171.
(11) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص61ـ63.
(12) تاريخ بغداد ج13 ص186.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *