5 ـ ذات السلاسل

5 ـ ذات السلاسل(1)
قال الشيخ المفيد: «وقد كان من أميرالمؤمنين عليه السّلام في غزوة وادي الرمل ـ ويقال انها كانت تسمى بغزوة ذات السلسلة ـ ما حفظه العلماء ودوّنه الفقهاء ونقله اصحاب الآثار ورواه نقلة الأخبار، مما ينضاف إلى مناقبه عليه السّلام في الغزوات ويماثل فضائله في الجهاد، وما توحّد به في معناه من كافة العباد وذلك: ان اصحاب السير ذكروا ان النبي صلّى الله عليه وآله كان ذات يوم جالساً اذ جاء اعرابي فجثى بين يديه ثم قال: اني جئت لأنصحك، قال وما نصيحتك؟ قال قوم من العرب قد عملوا على ان يبيّتوك بالمدينة ووصفهم له قال: فأمر أميرالمؤمنين عليه السّلام ان ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ايّها الناس ان هذا عدو الله وعدوكم قد اقبل اليكم يزعم انه يبيتكم بالمدينة فمن للوادي؟ فقام رجل من المهاجرين فقال: انا له يا رسول الله فناوله اللواء وضم اليه سبعمائة رجل وقال له: امض على اسم الله فمضى فوافى القوم ضحوة فقالوا له: من الرجل؟ قال انا رسول لرسول الله اما ان تقولوا: لا اله الاّ الله وحده لا شريك له وان محمّداً عبده ورسوله أو لا ضربنكم بالسيف. قالوا له: أرجع إلى صاحبك فانا في جمع لا تقوم له، فرجع الرجل فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من للوادي؟ فقام رجل من المهاجرين فقال: أنا له يا رسول الله قال: فدفع اليه الراية ومضى ثم عاد لمثل ما عاد صاحبه الأول فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أين علي بن أبي طالب؟ فقام أميرالمؤمنين عليه السّلام فقال: أنا ذا يا رسول الله قال امض إلى الوادي قال نعم وكانت له عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي صلّى الله عليه وآله في وجه شديد. فمضى إلى منزل فاطمة عليها السّلام فالتمس العصابة منها فقالت: أين تريد؟ وأين بعثك أبي؟ قال الى وادي الرمل، فبكت اشفاقاً عليه، فدخل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي على تلك الحال فقال لها مالك تبكين؟ اتخافين ان يقتل بعلك كلاّ إنْ شاء الله تعالى. فقال له علي عليه السّلام: لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله. قال: ثم خرج ومعه لواء النبي عليه السّلام فمضى حتى وافى القوم بسحر فاقام حتى اصبح ثم صلى بأصحابه الغداة وصفّهم صفوفاً واتكىء على سيفه مقبلا على العدو، فقال: يا هؤلاء، أنا رسول رسول الله اليكم ان تقولوا: لا اله الاّ الله وان محمّداً عبده ورسوله، والاّ اضربنكم بالسيف، قالوا له: ارجع كما رجع صاحباك قال: أنا لا أرجع لا والله حتى تسلموا أو اضربكم بسيفي هذا، أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، فاضطرب القوم لمّا عرفوه ثم اجترؤوا على مواقعته. فواقعهم عليه السّلام فقتل منهم ستة أو سبعة وانهزم المشركون وظفر المسلمون وحازوا الغنائم، وتوجه إلى النبي صلّى الله عليه وآله»(2).
قال الطبرسي: «قيل: بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سرية إلى حي من كنانة فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الانصاري أحد النقباء فتأخر رجوعهم فقال المنافقون قتلوا جميعاً، فأخبر الله تعالى عنها بقوله: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً) عن مقاتل. وقيل نزلت السورة لما بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً عليه السّلام إلى ذات السلاسل فاوقع بهم وذلك بعد ان بعث عليهم مراراً غيره من الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السّلام في حديث طويل قال: وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه اسر منهم وقتل وسبى وشد اسراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل. ولما نزلت السورة خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها: (وَالْعَادِيَاتِ) فلما فرغ من صلاته قال اصحابه: هذه سورة لم نعرفها فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: نعم ان علياً ظفر باعداء الله وبشرني بذلك جبرئيل عليه السّلام في هذه الليلة فقدم علي عليه السّلام بعد ايام بالغنائم والأسارى»(3).
وروى علي بن إبراهيم القمي باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السّلام في قوله: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً)(4) قال: هذه السورة نزلت في أهل وادي اليابس قال: قلت: وما كان حالهم وقصتهم؟ قال: ان أهل وادي اليابس اجتمعوا اثني عشر الف فارس وتعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على ان لا يتخلف رجل عن رجل ولا يخذل أحدٌ أحداً ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم عن حلف واحد او يقتلوا محمّد صلّى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السّلام. فنزل جبرئيل عليه السّلام على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخبره بقصتهم وما تعاهدوا عليه وتواثقوا وامره ان يبعث فلاناً اليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار، فصعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المنبر فحمّد الله وأثنى عليه، ثم قال:
«يا معاشر المهاجرين والأنصارى إن جبرئيل أخبرني أن أهل وادي اليابس اثنى عشر ألف فارس، قد استعدوا وتعاقدوا وتعاهدوا ان لا يغدر رجل بصاحبه ولا يفر عنه ولا يخذله حتى يقتلوني واخي علي بن أبي طالب، وقد أمرني ان أسير اليهم فلاناً في أربعة آلاف فارس، فخذوا في أمركم واستعدوا لعدوكم وانهضوا اليهم على اسم الله وبركته يوم الاثنين ان شاء الله تعالى، فأخذ المسلمون عدتهم وتهيؤا وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلاناً بأمره، وكان فيما أمره به انه إذا رآهم ان يعرض عليهم الاسلام فان تابعوه والاّ واقعهم فيقتل مقاتليهم ويسبي ذراريهم ويستبيح اموالهم ويخرب ضياعهم وديارهم، فمضى فلان وممن معه من المهاجرين والأنصار في أحسن عدة واحسن هيئة يسير بهم سيراً رفيقاً حتى انتهوا إلى أهل وادي اليابس، فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل فلان واصحابه قريباً منهم، خرج اليهم من أهل وادي اليابس مائتا رجل مدججين بالسلاح، فلما صادفوهم قالوا لهم: من أنتم؟ ومن أين اقبلتم؟ واين تريدون؟ ليخرج الينا صاحبكم حتى نكلمه.
فخرج اليهم فلان في نفر من اصحابه المسلمين فقال لهم: أنا فلان صاحب رسول الله، قالوا ما اقدمك علينا؟ قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ان اعرض عليكم الاسلام فان تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون لكم ما لهم وعليكم ما عليهم والاّ فالحرب بيننا وبينكم، قالوا له: اما واللات والعزى لولا رحم بيننا وقرابة قريبة لقتلناك وجميع اصحابك قتلة تكون حديثاً لمن يكون بعدكم، فارجع أنت ومن معك واربحوا العافيثة، فانا انما نريد صاحبكم بعينه وأخاه علي بن أبي طالب عليه السّلام.
فقال فلان لاصحابه: يا قوم، القوم أكثر منكم اضعافاً وأعد منكم وقد ناءت داركم عن اخوانكم من المسلمين فارجعوا نعلم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بحال القوم، فقالوا له جميعاً: خالفت يا فلان قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بحال القوم، فقالوا له جميعاً: خالفت يا فلان قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وما امرك به، فاتق الله وواقع القوم ولا تخالف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال اني أعلم ما لا تعلمون الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فانصرف وانصرف الناس اجمعون، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمقالة القوم وما رد عليهم فلان فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا فلان: خالفت امري ولم تفعل ما امرتك وكنت لي والله عاصياً فيما امرتك! فقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: يا معشر المسلمين اني امرت فلاناً ان يسير إلى أهل وادي اليابس وان يعرض عليهم الاسلام ويدعوهم الى الله، فان اجابوه والاّ واقعهم. وانه سار اليهم وخرج اليه منهم مائتا رجل فإذا سمع كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره ودخله الرعب منهم وترك قولي ولم يطع امري، وان جبرئيل امرني عن الله ان ابعث اليهم فلاناً مكانه في اصحابه في أربعة آلاف فارس فسر يا فلان على اسم الله، ولا تعمل كما عمل اخوك فانه قد عصى الله وعصاني، وامره بما أمر به الأول فخرج وخرج معه المهاجرون والانصار الذين كانوا مع الأول يقتصد بهم في سيرهم حتى شارف القوم وكان قريباً منهم بحيث يراهم ويرونه، وخرج اليهم مائتا رجل، فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم للأول فانصرف وانصرف الناس معه وكاد ان يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم ورجع يهرب منهم.
فنزل جبرئيل عليه السّلام فأخبر محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم بما صنع هذا وانّه قد انصرف وانصرف المسلمون معه، فصعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم المنبر فحمد الله واثنى عليه وأخبر بما صنع هذا وما كان منه وانه قد انصرف،وانصرف المسلمون معه، مخالفاً لأمري عاصياً لقولي، فقدم عليه فأخبره مثل ما اخبره به صاحبه فقال له يا فلان عصيت الله في عرشه وعصيتني وخالفت قولي وعملت برأيك الا قبّح الله رأيك. وان جبرئيل عليه السّلام قد أمرني ان ابعث علي ابن أبي طالب في هؤلاء المسلمين وأخبرني ان الله يفتح عليه وعلى اصحابه فدعاً علياً عليه السّلام وأوصاه بما أوصى به الأول والثّاني واصحابه الأربعة آلاف فارس واخبره ان الله سيفتح عليه وعلى أصحابه. فخرج علي عليه السّلام ومعه المهاجرون والأنصار فسار بهم سيراً غير سير فلان وفلان وذلك انه اعنف بهم في السير حتى خافوا ان ينقطعوا من التعب وتحفى دوابهم فقال لهم: لا تخافوا فان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أمرني بأمر واخبرني ان الله سيفتح عليَّ وعليكم فابشروا فانكم على خير والى خير، فطابت نفوسهم وقلوبهم وساروا على ذلك السير والتعب حتى إذا كانوا قريباً منهم حيث يرونهم ويراهم، أمر اصحابه ان ينزلوا وسمع أهل وادي اليابس بقدوم علي بن أبي طالب واصحابه، فخرجوا إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم علي عليه السّلام خرج اليهم في نفر من اصحابه فقالوا لهم: من انتم وممن أين أنتم ومن اين اقبلتم واين تريدون؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله واخوه رسوله اليكم، ادعوكم إلى شهادة ان لا اله الاّ الله وان محمّداً رسول الله ولكم ان آمنتم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم من خير وشر، فقالوا له: اياك أردنا وأنت طلبتنا قد سمعتنا مقالتك وما عرضت علينا فخذ حذرك واستعد للحرب العوان، واعلم إنا قاتلوك وقاتلوا اصحابك والموعد فيما بيننا وبينك غداً ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينكم.
فقال لهم علي عليه السّلام: ويلكم! تهددوني بكثرتكم وجمعكم فانا استعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم، فانصرفوا إلى مراكزكم، وانصرف علي عليه السّلام إلى مركزه، فلما جنه الليل أمر اصحابه ان يحسنوا إلى دوابهم ويقضموا ويسرجوا، فلما انشق عمود الصبح صلى بالنّاس بغلس ثم اغار عليهم باصحابه فلم يعلموا حتى وطأتهم الخيل، فما أدرك آخر اصحابه حتى قتل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح اموالهم وخرب ديارهم واقبل بالأسارى والأموال معه، ونزل جبرئيل عليه السّلام فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بما فتح الله بعلي عليه السّلام وجماعة المسلمين، فصعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المنبر فحمد الله واثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين واعلمهم انّه لم يصب منهم الاّ رجلان ونزل، فخرج يستقبل علياً في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على ثلاثة اميال من المدينة، فلما رآه علي عليه السّلام مقبلا نزل عن دابته ونزل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى التزمه وقبل ما بين عينيه، فنزل جماعة المسلمين إلى علي عليه السّلام حيث نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم الله به من أهل وادي اليابس، ثم قال جعفر بن محمّد عليه السّلام: ما غنم المسلمون مثلها قط الاّ ان يكون من خيبر فانها مثل ذلك، وأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم هذه السورة (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً)(5).
وأورد السيد البحراني موجزاً عن الغزوة في ذيل سورة العاديات(6).
وقال السيد الحميري في هذه الغزوة:
«وفي ذات السلاسل من سليم *** غداة اتاهم الموت المبير
وقد هزموا أبا حفص وعمروا *** وصاحبه مراراً فاستطيروا
وقد قتلوا من الأنصار رهطاً *** فحل النذر أو وجبت نذور
أزاد الموت مشيخة ضخاماً *** جحاجحة يسد بها الثغور»(7)
قال المجلسي: «وكان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام لا يقاتل حتى تطلع الشمس وتنزل ملائكة النهار قال: فلما ان دخل النهار التفت أميرالمؤمنين عليه السّلام إلى صاحب راية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال له: ارفعها فلما ان رفعها ورآها المشركون عرفوها وقال بعضهم لبعض: هذا عدوكم الذي جئتم تطلبونه، هذا محمّد واصحابه. قال: فخرج غلام من المشركين من اشدهم بأساً واكفرهم كفراً فنادى اصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أصحاب الساحر الكذاب، ايكم محمّد؟ فليبرز اليّ، فخرج اليه أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السّلام وهو يقول: ثكلتك امك، أنت الساحر والكذاب، محمّد جاء بالحق من عند الحق، قال له: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب أخو رسول الله وابن عمه وزوج ابنته قال: لك هذه المنزلة من محمّد؟ قال له علي: نعم، قال: فأنت ومحمّد شرع واحد، ما كنت أبالي لقيتك أو لقيت محمّداً ثم شد على علي وهو يقول:
لاقيت ليثاً يا علي ضيغماً *** قرماً كريماً في الوغا معلّماً
ليثاً شديداً من رجال خثعما *** ينصر دينا معلما ومحكما
فاجابه علي بن أبي طالب وهو يقول:
لاقيت قرنا حدثا وضيغما *** ليثاً شديداً في الوغا غشمشما
أنا علي سأُبير خثعما *** بكل خطى يري النقع دماً
وكل صارم يثبت الضرب فيغنما
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فاختلف بينهما ضربتان فضربه علي عليه السّلام ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار ثم نادي أميرالمؤمنين عليه السّلام هل من مبارز؟ فبرز أخٌ للمقتول وحمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه أميرالمؤمنين عليه السّلام ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادي علي عليه السّلام: هل من مبارز؟ فبرز له الحرث بن مكيدة وكان صاحب الجمع وهو بعد بخمسمائة فارس، وهو الذي أنزل الله فيه: (إِنَّ الاِْنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) قال كفور: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ)، قال: شهيد عليه بالكفر (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام يعني باتباعه محمّداً فلما برز الحارث حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى علي عليه السّلام: هل من مبارز؟ فبرز إليه ابن عمه يقال له عمرو بن الفتاك، وهو يقول:
أنا عمرو وأبي الفتاك *** وبيدي نصل سيف هتاك
اقطع به الرؤس لمن أرى كذاك
فاجابه أميرالمؤمنين عليه السّلام وهو يقول:
هاكها مترعة دهاقاً *** كأس دهاق مزجت زعاقا
اني امرؤ إذا ما ألاقا *** أقد الهام وأجذّ ساقا
ثمّ حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي عليه السّلام ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادي علي عليه السّلام: هل من مبارز؟ فلم يبرز إليه أحد، فشد أميرالمؤمنين عليه السّلام عليهم حتى توسط جمعهم فذلك قول الله: (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) فقتل علي عليه السّلام مقاتليهم وسبا ذراريهم وأخذ اموالهم واقبل بسبيهم إلى رسول الله، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج وجميع اصحابه حتى استقبل علي عليه السّلام على ثلاثة اميال من المدينة، واقبل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يمسح الغبار عن وجه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام بردائه ويقبّل بين عينيه ويبكي وهو يقول: الحمد لله يا علي الذي شدّ بك ازري وقوّى بك ظهري، يا علي أنّني سألت الله فيك كما سأل أخي موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ان يشرك هارون في أمره وقد سألت ربي ان يشدبك ازري، ثم التفت إلى اصحابه وهو يقول: معاشر اصحابي لا تلوموني في حب علي بن أبي طالب عليه السّلام فانما حبي علياً من أمر الله، والله أمرني أن احب علياً وادنيه، يا علي من احبّك فقد احبّني ومن احبّني فقد احبّ الله ومن احبّ الله فقد احبّه الله وحقيق على الله ان يسكن حبيبه الجنة، يا علي، من ابغضك فقد أبغضني ومن ابغضني فقد أبغض الله ومن ابغضه الله لعنه وكان حقيق على الله ان يقفه يوم القيامة موقف البغضاء ولا يقبل منه صرفاً ولا عدلا»(8).
قال النقدي: هذه اشهر مواقفه عليه السّلام ايام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم(9).

(1) في السنة الثامنة من الهجرة. تاريخ حبيب السير ج1 ص383.
(2) الارشاد ص52.
(3) مجمع البيان ج10 ص528.
(4) سورة العاديات: 1ـ2.
(5) تفسير القمي ج2 ص434. ومناقب ابن شهر آشوب ج3 ص140 وفيه تصريح بحضور أبي بكر وعمر مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(6) تفسير البرهان ج4 ص498.
(7) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص142.
(8) بحار الأنوار طبع كمباني ج6 ص593.
(9) الغزوات ص109.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *