الشيعة لغةً

* الشيعة لغةً
والشيعة لغةً: الأتباع والأنصار، فقد جاء في القاموس وشرحه: «شيعة الرجل أتباعه وأنصاره، وأصل الشيعة الفرقة من الناس على حدة، وكلّ من عاون إنساناً وتحزّب له فهو له شيعة. قال الكميت:
وما لي إلاّ آل أحمد شيعة *** وما لي إلاّ مشعب الحقّ مشعبُ
ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنّث، بلفظ واحد ومعنىً واحد.
وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يتولّى عليّاً وأهل بيته رضي اللّه عنهم أجمعين، حتّى صار اسماً لهم خاصّاً، فإذا قيل فلان من الشيعة تعرف أنّه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم. وأصل ذلك من المشايعة، وهي المطاوعة والمتابعة…»(1).
وقد كانت غلبة هذا الاسم على كلّ من شايع عليّاً وتابعه وقدّمه على غيره منذ عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بل لعلّ هذه التسمية كانت في بدء أمرها منه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كما يستفاد ذلك من الأحاديث، ونصّ عليه بعض العلماء؛ فقد ذكر الأُستاذ محمّد كرد علي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو الذي حثّ على ولاء عليٍّ وأهل بيته، وهو أوّل من سمّى أولياءهم بالشيعة.
قال: وفي عهده ظهر التشيّع وتسمّى جماعة بالشيعة.
قال: عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة عليٍّ في عصر رسول اللّه مثل سلمان القائل: بايعنا رسول اللّه على النصح للمسلمين والائتمام بعليّ بن أبي طالب والموالاة له؛ ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أُمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدةً، ولمّا سئل عن الأربع قال: الصّلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحجّ. قيل: فما الواحدة التي تركوها؟! قال: ولاية عليّ بن أبي طالب. قيل له: وإنّها لمفروضة معهنّ؟! قال: نعم، هي مفروضة معهنّ؛ ومثل أبي ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيّوب الأنصاري…» في جمع كثير ذكرهم(2).

أقول:
وقد سبقه إلى ذلك غير واحد من الأئمّة، كالحافظ ابن عبدالبرّ، فقد ذكر بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: «روي عن سلمان وأبي ذرّ والمقداد وخبّاب وجابر وأبي سعد الخدري وزيد بن الأرقم: إنّ عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أوّل من أسلم؛ وفضّله هؤلاء على غيره»(3).
ولا يخفى أنّ معنى «وفضّله هؤلاء على غيره» هو القول بتعيّنه للخلافة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وبطلان تقدّم غيره عليه، لأنّ تولية المفضول مع وجود الأفضل ظلم… وقد نصَّ على هذا ابن تيميّة أيضاً(4) في جماعة من حفّاظهم….

أقول:
ومنهم: عامر بن واثلة أبو الطفيل المكّي، قال ابن حجر العسقلاني: «أثبت مسلم وغيره له الصحبة، وقال أبو علي بن السكن: روي عنه رؤيته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من وجوه ثابتة… وقال ابن عديّ: له صحبة. وكان الخوارج يرمونه باتّصاله بعليٍّ وقوله بفضله وفضل أهل بيته، وليس بحديثه بأس. وقال ابن المديني: قلت لجرير: أكان مغيرة يكره الرواية عن أبي الطفيل؟ قال: نعم. وقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: مكّيُّ ثقة، وكذا قال ابن سعد وزاد: كان متشيّعاً.
قلت: أساء أبو محمّد ابن حزم فضعّف أحاديث أبي الطفيل وقال: كان صاحب راية المختار الكذّاب، وأبو الطفيل صحابي لا شكّ فيه، ولا يؤثّر فيه قول أحد ولا سيّما بالعصبيّة والهوى»(5).
وأمّا التابعون، الّذين فضّلوا أمير المؤمنين عليه السلام على غيره من الصحابة مطلقاً، فكثيرون لا يحصون.. ذكر ابن قتيبة منهم جماعة(6).
فهؤلاء هم الشيعة.. والتشيّع هو القول بإمامة عليٍّ عليه السلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.. فالمعنى الذي أراده رسول اللّه في هذه التسمية هو المفهوم اللغوي لهذه اللفظة.. كما لا يخفى على من راجع الأحاديث(7).

(1) تاج العروس في شرح القاموس: مادّة «شيع».
(2) خطط الشام 5 : 251 ـ 256.
(3) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 : 1090.
(4) منهاج السُنّة 6 : 475 و ج 8 : 223 و 228.
(5) مقدّمة فتح الباري: 410.
(6) كتاب المعارف: 341.
(7) كالأحاديث الواردة بذيل قوله تعالى: (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خير البريّة) راجع: الدرّ المنثور 8 : 589.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *