آراؤهم في أصحاب المذاهب من رجال الحديث / حكم أحاديث غير أهل السُنّة

آراؤهم في أصحاب المذاهب
من رجال الحديث

* حكم أحاديث غير أهل السُنّة:
والذي يظهر من كلماتهم هو أنّهم يقسّمون الرجال إلى «أهل السُنّة» و«أهل البدعة».. فمن لم يكن من أهل السُنّة فهو مبتدع، وأهل السُنّة يؤخذ بحديثهم، ويترك حديث أهل البدعة.
روى الذهبي عن ابن سيرين، قال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد حتّى وقعت الفتنة، فلمّا وقعت نظروا مَن كان من أهل السُنّة أخذوا حديثه، ومَن كان من أهل البدعة تركوا حديثه»(1).
ولكن ما المراد من السُنّة؟! ومَن أهلها؟! وما المراد من البدعة؟! ومن هم أهلها؟! هذه هي المشكلة!
وروى المزّي عن عبدالرحمن بن مهدي، قال: «من رأى رأياً ولم يدع إليه احتُمِل، ومن رأى رأياً دعا إليه فقد استحقّ الترك»(2).
وقد أخذ هذا غير واحد من المتأخّرين، فقيَّد المبتدع بأنْ لا يكون داعيةً إلى مذهبه….
وأضاف بعضهم إلى ذلك، ألاّ يكون الحديث الذي يحدّث به ممّا يعضد بدعته ويشيّدها(3).
ثمّ إنّ الذهبي قسّم البدعة إلى صغرى وكبرى، بمناسبة وصف «أبان بن تغلب» بـ: «شيعي جلد، لكنّه صدوق»، فقال بأنّ البدعة الصغرى تجتمع مع الدين والورع والصدق، فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة وهذه مفسدة بيّنة… وهي كغلوّ التشيّع، أو كالتشيّع بلا غلوّ ولا تحرّف، والبدعة الكبرى كالرفض الكامل والغلوّ فيه والحطّ على أبي بكر وعمر والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتجّ بهم ولا كرامة، وليس فيه رجل صادق مأمون(4).

أقول:
قد خصّصنا الفصل الآتي للبحث عن «التشيّع» و«الرفض» وما يتعلّق بذلك… والكلام الآن في الرواية عن أهل الفرق الأُخرى، الخارجين عن أهل السُنّة!!
قال الذهبي: «هذه مسألة كبيرة، وهي: القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي، إذا عُلم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعياً إلى بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته، والعمل بحديثه، وتردّدوا في الداعية هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفّاظ إلى تجنّب حديثه وهجرانه….
وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه وكان داعيةً ووجدنا عنده سُنّة تفرّد بها، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السُنّة؟! فجميع تصرّفات أئمّة الحديث تؤذن بأنّ المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه، فإنّ قبول ما رواه سائغ»..
قال: «وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي. والذي اتّضح لي منها أنّ مَن دخل في بدعة ولم يُعدّ من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يُقبل حديثه»(5).
فانظر، كيف يضطربون!! وكيف تختلف كلمات الواحد منهم أيضاً!!
والسبب في ذلك هو أنّهم إذا رفضوا أحاديث المنتحلين للمذاهب الأُخرى كلّها أدّى ذلك إلى ضياع الأحكام الشرعية وترك السُنن النبويّة، وإنْ رووها وقبلوها خافوا من رواج تلك المذاهب وتقوّي أتباعها….
وأيضاً: ففي رواة كتابَي البخاري ومسلم من أهل البدع كثيرون، فإذا سقط الاحتجاج بأخبارهم سقط الكتابان عن الصحّة المزعومة لهما….

(1) ميزان الاعتدال 1 : 3.
(2) تهذيب الكمال 1 : 163.
(3) لسان الميزان 1 : 11.
(4) ميزان الاعتدال 1 : 5 ـ 6.
(5) سير أعلام النبلاء 7 : 154.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *