4 ـ الجوزجاني (259)

4 ـ الجوزجاني (259):
ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الدمشقي، فقد أكثروا من النقل عنه والاعتماد عليه في نقد الرجال، كما لا يخفى على من يراجع كتب هذا الشأن.
وقد وصفوه بألقاب ضخمة، فالذهبي وإنْ لم يترجم له في سير أعلام النبلاء فقد ذكره في تذكرة الحفّاظ ووصفه بالحافظ الإمام، حدّث عنه: أبو داود والترمذي والنسائي…، ثمّ أورد ثقته عن النسائي وغيره.
وهم في نفس الوقت ينصّون على كونه ناصبياً!..
قال الذهبي: قال الدارقطني: كان من الحفّاظ الثقات المصنّفين، وفيه انحراف عن عليّ(1).
وقال ابن حجر: قال ابن حبّان في الثقات: كان حروري المذهب، ولم يكن بداعية، وكان صلباً في السُنّة، حافظاً للحديث، إلاّ أنّه من صلابته ربّما كان يتعدّى طوره. وقال ابن عديّ: كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على عليّ. وقال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن عليّ، اجتمع على بابه أصحاب الحديث، فأخرجت جارية له فرّوجةً لتذبحها فلم تجد من يذبحها، فقال: سبحان اللّه! فرّوجة لا يوجد من يذبحها وعليٌّ يذبح في ضحوة نيّفاً وعشرين ألف مسلم.
قلت: وكتابه في الضعفاء يوضّح مقالته، ورأيت في نسخة من كتاب ابن حبّان: حَرِيزي المذهب، وهو ـ بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبعد الياء زاي ـ نسبة إلى حريز بن عثمان المعروف بالنصب، وكلام ابن عديّ يؤيّد هذا، وقد صحّف ذلك أبو سعد ابن السمعاني في الأنساب، فذكر في ترجمة الجَريري ـ بفتح الجيم ـ أنّ إبراهيم بن يعقوب هذا كان على مذهب محمّد بن جرير الطبري، ثمّ نقل كلام ابن حبّان المذكور. وكأنّه تصحّف عليه، والواقع أنّ ابن جرير يصلح أن يكون من تلامذة إبراهيم بن يعقوب لا بالعكس، وقد وجدت رواية ابن جرير عن الجوزجاني في عدّة مواضع من التفسير والتهذيب والتاريخ»(2).

أقول:
أودّ التنبيه على أُمور:
الأوّل: إنّ النسائي قد وثّق هذا الناصبي، وقد أخرج عنه هو وأبو داود والترمذي… والمهمُّ إخراج النسائي عنه، لأنّهم ذكروا بترجمته أنّ له في سننه شرطاً أشدّ من شرط الشيخين، فيظهر أنّ شرطه كان متوفّراً في هذا الناصبي؟! كما كان متوفّراً في عمر بن سعد، الذي أخرج عنه، وقد قال يحيى بن معين: كيف يكون قاتل الحسين ثقة؟! ومع ذلك نرى القوم يصفون النسائي بالتشيّع، لأنّه تكلّم في معاوية رئيس الفرقة الباغية!!
والثاني: إنّ تهذيب التهذيب، تهذيب لكتاب تهذيب الكمال للحافظ المزّي، والمزّي قد ذكر هذا الرجل، ولم يتعرّض لنصبه أبداً!
والثالث: إنّ الذهبي وإنْ لم يعدّ الرجل في النبلاء، فقد ترجم له في تذكرة الحفّاظ فلمّا أورد كلام الدارقطني بَتَره!
والرابع: إنّ ابن حجر بعد أن ذكر ما نقلناه من تهذيبه، قال في تقريبه ـ وهو تلخيص التهذيب ـ: «ثقة حافظ، رُمي بالنصب»(3). لكنّه في غير موضع من مقدّمته يقول بعد نقل قول الجوزجاني: «قلت: والجوزجاني غال في النصب»(4).
فإذا كان غالياً في النصب، كيف يقول: رُمي بالنصب؟!
وإذا كان غالياً في النصب، كيف يكون ثقة؟!
والخامس: إنّ صدور هكذا تصحيف من السمعاني بعيد جدّاً، بل أظنُّ أنّ هناك تعمّداً في هذا التصحيف.
والسادس: إنّ الذهبي الذي بتر كلام الدارقطني وأورده منقوصاً، قد وصف الرجل في ميزانه بالنصب صراحةً(5).
وكيف كان، فقد رأيت كيف يحاولون التغطية على صحاحهم ورجالهم!!

(1) تذكرة الحفّاظ 1 : 549.
(2) تهذيب التهذيب 1 : 159.
(3) تقريب التهذيب 1 : 47.
(4) مقدّمة فتح الباري: 404.
(5) ميزان الاعتدال 1 : 76.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *