(أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً…)

7 ـ قوله تعالى:
(أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً…)

قال السيّد:
وفيهم وفي عدوّهم نزل (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون * أمّا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم جنّات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون * وأمّا الذين فسقوا فمأواهم النّار كلّما أرادوا أنْ يخرجوا منها اعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النّار الذي كنتم به تكذّبون)(1).

قال في الهامش:
نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين والوليد بن عقبة بن أبي معيط، بلا نزاع، وهذا هو الذي أخرجه المحدّثون وصرّح به المفسّرون. أخرج الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في معنى الآية من كتابه أسباب النزول، بالإسناد إلى سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب: أنا أحدّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ للكتيبة منك. فقال له علي: اسكت فإنّما أنت فاسق، فنزل (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) قال: يعني بالمؤمن عليّاً وبالفاسق الوليد بن عقبة(2).

فقيل:
الحديث الذي ذكره الواحدي في أسباب النزول: 236 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في سنده: محمّد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى.
قال يحيى بن معين: ليس بذاك. وقال أبو حاتم: محلّه الصدق كان سيّء الحفظ، شغل بالقضاء فساء حفظه، لا يتّهم بشيء من الكذب، إنّما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتجّ به. وقال ابن حبّان: كان فاحش الخطأ رديء الحفظ فكثرت المناكير في روايته. وقال ابن جرير الطبري: لا يحتج به.
وعبيداللّه بن موسى، راجع ترجمته في المراجعة 16 تحت رقم 55.
وعلى هذا فالرواية ضعيفة لا يحتج بها.
وأخرج ابن عدي والخطيب في تاريخه عن طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس مثله. وانظر هذه المراجعة، الحاشية رقم 13 بخصوص هذا السند.
وذكره ابن جرير الطبري في تفسيره 21 : 107 عن عطاء بن يسار بمثله، وفي سنده جهالة.
وذكره السيوطي عن عطاء بن يسار، وزاد نسبته لابن إسحاق.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف 131 بعد أن أخرجه من رواية ابن مردويه والواحدي، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: وله طريق اُخرى عند ابن مردويه من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
والخلاصة: إن كلاًّ من هذه الطرق ضعيف.
على أن السورة مكّية، وحين نزلت لم يكن الوليد بن عقبة قد أسلم، فقد أسلم يوم الفتح، وبعثه رسول اللّه على صدقات بني المصطلق، فلمّا وصل إليهم هابهم فانصرف عنهم وأخبر أنّهم ارتدّوا، فبعث إليهم خالد بن الوليد يأمره أن يتثبّت فيهم، فأخبروا أنّهم متمسّكون بالسلام، فنزل قوله عزّوجل: (يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا…)(3).

أقول:
لا يخفى أنّ هذا الموضع من المواضع التي يتبيّن فيها عقيدة القوم في أهل البيت عليهم السلام وموقفهم من أعدائهم، فقد كشفوا هنا عن حقدهم بالنسبة لأهل البيت، وحبّهم ودفاعهم عن أعدائهم، وإلاّ فأيّ معنى لإنكار ورود آيات المدح في رجالات الإسلام الذين بارزوا يوم بدر، وورود آيات الذم في رجال الكفر الذين قتلوا في ذلك اليوم؟ هَب أنّهم لا يريدون الإعتراف بكون المراد علي عليه السلام، لأنّ مثل هذه المدائح لم ترد في حق غيره من مشايخ القوم، لأنّهم لم يفعلوا شيئاً في سبيل الإسلام يمدحون عليه، ولكنْ ما معنى إنكار ورود آيات الذم في الذين قتلوا من الكفار يوم بدر؟ ولنتكلَّم حول هذه الآيات بالترتيب باختصار، مع التعرّض لنقد كلام هذا المتقوّل:

(1) سورة السجدة 32 : 18 ـ 20.
(2) المراجعات: 35.
(3) سورة الحجرات 49 : 6.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *