الحديث رواه جماعة من أكابر المحدّثين الحفّاظ

الحديث رواه جماعة من أكابر المحدّثين الحفّاظ:
* رواه الحاكم، قال: «حدّثنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر الحافظ، قال: حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن غزوان، قال: ثنا علي بن جابر، قال: ثنا محمّد بن خالد بن عبداللّه، قال: ثنا محمّد بن فضيل، قال: ثنا محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبداللّه، قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: يا عبداللّه! أتاني ملك فقال: يا محمّد! (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) على ما بعثوا؟ قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب.
قال الحاكم: تفرّد به علي بن جابر، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن فضيل، ولم نكتبه إلاّ عن ابن المظفّر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون»(1).
فالآية باقية على ظاهرها، والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سأل، وكان الجواب: بعث الأنبياء على ولايته وولاية عليّ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام.
* ورواه الثعلبي، قال: «أخبرنا الحسين بن محمّد الدينوري، حدّثنا أبو الفتح محمّد بن الحسين بن محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي، حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن غزوان البغدادي، حدّثنا علي بن جابر، حدّثنا محمّد بن خالد بن عبداللّه ومحمّد بن إسماعيل، قالا: حدّثنا محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبداللّه بن مسعود، قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: أتاني ملك فقال: يا محمّد!..»(2).
* ورواه ابن عساكر، قال: «أخبرنا أبو سعد بن أبي صالح الكرماني وأبو الحسن مكّي بن أبي طالب الهمداني، قالا: أنبأنا أبو بكر بن خلف، أنبأنا الحاكم أبو عبداللّه الحافظ، حدّثني محمّد بن مظفّر الحافظ…» إلى آخر ما تقدّم عن الحاكم(3).
* ورواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، كما في تنزيه الشريعة عن الحافظ ابن حجر، وفي غير واحد من كتب أصحابنا أنّه روى بإسناده في هذه الآية، أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليلة أُسري به جمع اللّه تعالى بينه وبين الأنبياء، ثمّ قال: سلهم يا محمّد! على ماذا بُعثتم؟ فقالوا: بُعثنا على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وعلى الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب(4).
* ورواه الحافظ ابن حجر العسقلاني من جهة الحاكم، قال: ورواه أبو نعيم؛ وستأتي عبارة ابن حجر.
* ورواه الحافظ ابن عبدالبرّ القرطبي، على ما نقل عنه العلاّمة الحلّي(5)، والشيخ يحيى بن البطريق(6).
* ورواه الحاكم الحسكاني، قال: «حدّثنا الحاكم أبو عبداللّه الحافظ، قال: حدّثنا محمّد بن المظفّر…» إلى آخر ما تقدّم….
قال: «وأخبرناه أبو عثمان الحيري من أصله العتيق، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر… سواءً لفظاً، ولم يذكر علقمة في الإسناد»..
«حدّثني أبو الحسن الفارسي، حدّثنا عمر بن أحمد، حدّثنا علي بن الحسين بن سفيان الكوفي، حدّثنا جعفر بن محمّد أبو عبداللّه الحسني، حدّثنا علي بن إبراهيم العطّار، حدّثنا عبّاد، عن محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سوقة»..
قال: «وحدّثنا أبو سهل سعيد بن محمّد، حدّثنا علي بن أحمد الكرماني، حدّثنا أحمد بن عثمان الحافظ، حدّثنا عبيد بن كثير، حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي، حدّثنا ابن فضيل، عن محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم:
لمّا أُسري بي إلى السماء إذا ملك قد أتاني فقال لي: يا محمّد! سل مَن أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا. قلت: معاشر الرسل والنبيّين! على ما بعثكم اللّه؟ قالوا: على ولايتك يا محمّد وولاية عليّ بن أبي طالب….
ورواه غير علي، عن محمّد بن خالد الواسطي، وتابعه محمّد بن إسماعيل….
أخبرنيه الحاكم أبو عبداللّه، حدّثني أبو سعيد أحمد بن محمّد بن رميح النسوي، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن عثمان الأهوازي، حدّثنا محمّد بن خالد بن عبداللّه الواسطي، حدّثنا محمّد بن فضيل، حدّثنا محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبداللّه، قال: قال لي النبيّ… به لفظاً سواءً»(7).
* ورواه الموفّق بن أحمد المكّي، قال: «وأخبرني شهردار ـ إجازةً ـ، أخبرني أحمد بن خلف ـ إجازةً ـ، حدّثني محمّد بن المظفّر الحافظ، حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن غزوان، حدّثنا علي بن جابر…» إلى آخر ما تقدّم سواء(8).
* ورواه الحمويني، عن شهردار بن شيرويه الحافظ، عن أحمد بن خلف، عن الحاكم، عن ابن المظفّر الحافظ… كما تقدّم سواء(9).
* ورواه أبو عبداللّه الكنجي، قال: «قرأت على الحافظ أبي عبداللّه ابن النجّار، قلت له: قرأت على المفتي أبي بكر القاسم بن عبداللّه بن عمر الصفّار، قال: أخبرتنا الحرّة عائشة بنت أحمد الصفّار، أخبرنا أحمد بن علي الشيرازي، أخبرنا الإمام الحافظ أبو عبداللّه النيسابوري، حدّثني محمّد بن المظفّر الحافظ..» إلى آخر ما تقدّم سواء(10).

أقول:
هذا في الحديث عن ابن مسعود….
وهو أيضاً عن عبداللّه بن عبّاس:
* قال القندوزي الحنفي: «أيضاً رواه الديلمي، عن ابن عبّاس، رضي اللّه عنهما»(11).
وهو أيضاً عن أبي هريرة:
* قال شهاب الدين أحمد الخنجي: «عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: لمّا أُسري بي ليلة المعراج، فاجتمع علَيَّ الأنبياء، فأوحى اللّه إليّ: سلهم يا محمّد! بماذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وعلى الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب.
أورده الشيخ المرتضى، العارف الربّاني، السيّد شرف الدين علي الهمداني في بعض تصانيفه، وقال: رواه الحافظ أبو نعيم»(12).

أقول:
هذا، وهو مروي عند أصحابنا عن أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين عليهم الصلاة والسلام(13).

وتلخّص:
إنّ الصحيح في الآية المباركة إبقاؤها على ظاهرها، وتفسيرها بهذا الحديث المروي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنين وعدّة من الأصحاب، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم….
والأشهر من بين الأحاديث في الباب هو حديث عبداللّه بن مسعود؛ فقد ورد في كتب كثيرة من كتب أهل السُنّة، ولهم به أسانيد عديدة، وفي الرواة عدّة من أعلام الحفّاظ، والأئمّة الثقات.
يقول ابن تيميّة: «إنّ مثل هذا ممّا اتّفق أهل العلم على أنّه كذب موضوع»….
وليت شعري! فلماذا اتّفق هذا الجمع من الحفّاظ والمحدّثين على روايته؟!
ثمّ يقول ابن تيميّة: «إنّ هذا ممّا يعلم مَن له علم ودين أنّه من الكذب الباطل الذي لا يصدّق به مَن له عقل ودين، وإنّما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجرأة في الكذب».
وليت شعري! هل كان هؤلاء الأئمّة الرواة لهذا الحديث عالمين بحاله ومع ذلك رووه، أو كانوا جاهلين، ومع ذلك يعدّون في كبار أئمّة الحديث وحفّاظه؟!
ثمّ إنّي لم أجد هذا الحديث فى الموضوعات لابن الجوزي، ولا في العلل المتناهية له.
نعم، أورد ابن عراق حديث ابن مسعود في تنزيه الشريعة المرفوعة، ومحصّل كلامه ثبوت الحديث لا سقوطه، وهذا نصّ ما قال:
«حديث: ابن مسعود، قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: يا عبداللّه! أتاني ملك فقال: يا محمّد! سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ماذا بعثوا؟ قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب. حا(14).
قلت: ولم يبيّن علّته.
وقد أورده الحافظ ابن حجر في زهر الفردوس(15) من جهة الحاكم، ثمّ قال: ورواه أبو نعيم وقال: تفرّد به علي بن جابر، عن محمّد بن فضيل. انتهى.
وعلي بن جابر ما عرفته. واللّه أعلم»(16).

أقول:
ظهر من هذا الكلام رواية ثلاثة من أئمّة الحفّاظ هذا الحديث بإسنادهم عن عبداللّه بن مسعود، من غير أن يبيّنوا علّةً له….
أمّا الحاكم، فقد تقدّم نصّ روايته للحديث، وهو في مقام ذِكر شاهد لنوع من أنواع الحديث، فهو غير معلول عنده، بل هو حديث معتبرٌ يذكر لقاعدة علميّة في كتاب علمي.
وأمّا أبو نعيم، فقد روى هذا الحديث وهو يناسب ذكره في دلائل النبوّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وأنّها كانت ثابتةً له منذ القرون السابقة، وفي زمن الأنبياء الماضين، حتّى كان عليهم أن يدعوا الناس إلى نبوّته ويبشّروا أُممهم ببعثته، إلاّ أنّا لم نجده فيه.
وأمّا ابن حجر العسقلاني، فقد أورد هذا الحديث ضمن أحاديث منتخبة من كتاب الفردوس، وأضاف إليه رواية الحاكم، وأبي نعيم.
فظهر إلى هنا من كلام ابن عراق اعتبار هذا الحديث عند القوم.
لكن ابن عراق قال في آخر الكلام: «وعلي بن جابر ما عرفته».

أقول:
فانتهى القدح في سند الحديث عن ابن مسعود إلى أنّ ابن عرّاق لم يعرف «علي بن جابر»، وإذا كان الأمر هكذا فهو سهلٌ جدّاً؛ لأنّ أكابر الأئمّة الحفّاظ من المتقدّمين قد عرفوا هذا الرجل، ولم يذكروه بجرح….
وممّا يؤكّد ذلك، قول غير واحد منهم ـ كالحاكم وأبي نعيم ـ بعد روايته: «تفرّد به علي بن جابر، عن محمّد بن فضيل» فإنّه ظاهر في توثيقهم للرجلين، وإلاّلطعنوا فيه قبل أن يقولوا: «تفرّد به…».
على أنّه يظهر من روايات الحاكم الحسكاني متابعة غير علي بن جابر له في رواية الحديث عن محمّد بن فضيل.
وأمّا «محمّد بن فضيل»: فلم يتكلّم فيه أحدٌ؛ فهو من رجال الكتب الستّة، قال الحافظ ابن حجر: «محمّد بن فضيل بن غزوان، ـ بفتح المعجمة وسكون الزاي ـ الضبّي، مولاهم، أبو عبدالرحمن، الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيّع، من التاسعة. مات سنة 95. ع»(17).

وتلخّص:
إنّ الحقّ هو القول الأوّل، وهو إبقاء الآية المباركة على ظاهرها كما هو مقتضى أصالة الحقيقة، والأخبار الواردة تفسّرها بكلّ وضوح، لا سيّما حديث ابن مسعود.
وقد ظهر أنّ هذه الأخبار متّفق عليها بين الفريقين، وهي عن أمير المؤمنين، وعبداللّه بن مسعود، وعبداللّه بن العبّاس، وأبي هريرة.
هذا، وقد روى ابن مسعود عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خبر الإسراء به، والتقائه بالأنبياء، وصلاته بهم، وهو خبر طويل، أخرجه الطبراني، وأبو يعلى، والبزّار، والحاكم(18)، وقال الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح».
فأظنٌّ أنّ ما رواه الحاكم في كتابه علوم الحديث هو ذيل هذا الحديث الطويل، يتعلّق بالسؤال عمّا بُعثوا، إلاّ أنّهم سكتوا عن روايته لاشتماله على الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام.
فما قالوا من أنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لم يسأل، وقال اكتفيت» كذبٌ منهم عليه؛ إذ كيف يأمره اللّه عزّ وجلّ بالسؤال، فلم يسأل؟!
مضافاً إلى أنّه قد ورد في حديث: «فقدّمني جبريل حتّى صلّيت بين أيديهم وسألتهم فقالوا: بعثنا للتوحيد»(19)….
فكان هناك سؤال وجوابٌ!! ولكنّهم لا يريدون التصريح بذلك، ولا يريدون ذكر الجواب بصورة كاملة؛ ليشتمل على الولاية لعليٍّ!!
وكم له من نظير!!
وهذا أحد أساليبهم في إخفاء مناقب أمير المؤمنين وأهل البيت الكرام الطاهرين، الدالّة على إمامتهم بعد الرسول الأمين عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
فانظر كيف يفترون على اللّه والرسول الكذب؟!! إنكاراً لولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، (فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون)(20).
واللّه أحكم الحاكمين… وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.

* * *

(1) معرفة علوم الحديث: 96.
(2) الكشف والبيان 8 : 337 ـ 338.
(3) تاريخ مدينة دمشق 42 : 241.
(4) الطرائف في معرفة الطوائف 1 : 101، البرهان في تفسير القرآن 4 : 781، غاية المرام 3 : 55، خصائص الوحي المبين: 153.
(5) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة: 156.
(6) العمدة لابن البطريق: 352 / 680.
(7) شواهد التنزيل 2 : 156 ـ 158.
(8) المناقب للخوارزمي: 312 / 312. والظاهر سقوط الحاكم بين أبي خلف وابن المظفّر.
(9) فرائد السمطين 1 : 81.
(10) كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: 75.
(11) ينابيع المودّة 1 : 244.
(12) توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل ـ مخطوط.
(13) كنز الدقائق في تفسير القرآن 9 : 344 ـ 345.
(14) هذا رمز للحاكم، كما ذكر في أوّل الكتاب أيضاً.
(15) وهو مختصر كتاب فردوس الأخبار للديلمي، أورد فيه ما استجوده من أخباره، كما له كتاب تسديد القوس في مختصر مسند الفردوس.
(16) تنزيه الشريعة المرفوعة 1 : 397.
(17) تقريب التهذيب 2 : 200. و«ع»: رمز للكتب الستّة؛ أي مجمع على وثاقته.
(18) كنز العمّال 11 : 390 رقم 31841، مجمع الزوائد 1 : 74.
(19) كنز العمّال 11 : 397 ح 31852 عن ابن سعد، عن عدّة من الصحابة.
(20) سورة البقرة 2 : 79.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *