قوله تعالى: (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته…)

قوله تعالى: (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته…)(1).

قال السيّد:
«ألم يؤمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بتبليغها؟! ألم يضيّق عليه في ذلك بما يشبه التهديد من اللّه عزّ وجلّ حيث يقول: (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من الناس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين)».

ثمّ قال في الهامش:
«أخرجه غير واحد من أصحاب السنن، كالإمام الواحدي فى سورة المائدة من كتابه أسباب النزول عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب.
وأخرجه الإمام الثعلبي في تفسيره بسندين.
ورواه الحمويني الشافعي في فرائده بطرق متعددة عن أبي هريرة مرفوعاً.
ونقله أبو نعيم في كتابه نزول القرآن بسندين، أحدهما عن أبي رافع، والآخر عن الأعمش عن عطية، مرفوعَين.
وفي غاية المرام تسعة أحاديث من طريق أهل السُنّة، وثمانية صحاح من طريق الشيعة بهذا المعنى، فراجع منه باب 37 وباب 38»(2).

فقيل:
«الخبر الذي ساقه الواحدي هو: أخبرنا أبو سعيد محمّد بن عليّ الصفّار، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلّدي، قال: أخبرنا محمّد بن حمدون، قال: حدّثنا محمّد إبراهيم الخلوتي(3)، قال: حدّثنا الحسن بن حمّاد سجّادة، قال: حدّثنا عليّ بن عابس، عن الأعمش وأبي حجاب(4)، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية: (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك) يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه. أسباب النزول: 135.
وعطيّة هو العوفي، قال عنه الإمام أحمد: ضعيف الحديث، ثمّ قال: بلغني أنّ عطية كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد.
وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقال ابن عديّ: وكان يعدّ مع شيعة الكوفة.
وقال ابن حبّان ـ بعد أن ذكر قصّته مع الكلبي ـ: لا يحلّ كتب حديثه إلاّ على سبيل التعجّب.
وقال أبو داود: ليس بالذي يعتمد عليه.
وقال الساجي: كان يقدّم عليّاً على الكلّ(5).
وقال ابن حجر في التقريب: صدوق، يخطئ كثيراً، كان شيعيّاً مدلّساً(6).
وأمّا عليّ بن عابس الأسدي، فقال عنه ابن معين: كأنّه ضعيف، وفي رواية عنه: ليس بشيء.
وقال ابن حبّان: فحش خطاؤه فاستحقّ الترك.
وقال ابن عديّ: له أحاديث حسان، ويروي عن أبان بن تغلب وغيره أحاديث غرائب(7).
ومن هذا يتبيّن أن احتفال المؤلّف بهذا الحديث لن يغنيه شيئاً. وقد عرفت سابقاً أنّ الواحدي وشيخه الثعلبي قد ملئا كتابيهما بالأحاديث الضعيفة والموضوعة فلا يعتدّ بهما.
وفي عدّه الواحدي من أصحاب السنن مجازفة، وهو وشيخه ليسا من أئمّة الحديث ولا من علمه في شيء. واللّه المستعان».

وأقول:
اعلم أنّ السيّد رحمه اللّه قد استدلّ بهذه الآية المباركة مرّة أُخرى، وذلك في المراجعة رقم 56، ونصّ هناك على أنّ: «أخبارنا في ذلك متواترة عن أئمّة العترة الطاهرة».
أمّا من أهل السُنّة فاكتفى في الموضعين بالنقل عن الإمام أبي إسحاق الثعلبي، المتوفّى سنة 427 أو 437، والإمام أبي الحسن الواحدي، المتوفّى سنة 468، والحافظ أبي نعيم الأصفهاني، المتوفّى سنة 430، والإمام الحمويني الشافعي، المتوفّى سنة 722. وقد نصّ في المراجعة 56 على صحّة بعض أسانيد هذه الروايات….

فأقول ـ تعقيباً لكلامه وتتميماً لمرامه ـ:
أوّلاً: إنّه قد اكتفى بالنقل عن هؤلاء الأئمّة لغرض الاختصار، وإلاّ فرواة نزول الآية المباركة يوم غدير خمّ من أعلام أئمة أهل السُنّة كثيرون، ومنهم:
1 ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المتوفّى سنة 310.
2 ـ ابن أبي حاتم: عبدالرحمن بن محمّد بن إدريس الرازي، المتوفّى سنة 327.
3 ـ أبو عبداللّه الحسين بن إسماعيل المحاملي، المتوفّى سنة 330.
4 ـ أبو بكر أحمد بن عبدالرحمن الفارسي الشيرازي، المتوفّى سنة 407 أو 411.
5 ـ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني، المتوفّى سنة 410.
6 ـ أبو نعيم أحمد بن عبداللّه الأصفهاني، المتوفّى سنة 430.
7 ـ أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي، المتوفّى سنة 468.
8 ـ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني، المتوفّى سنة 477.
9 ـ أبو القاسم عبداللّه بن عبيداللّه الحاكم الحسكاني.
10 ـ أبو بكر محمّد بن مؤمن الشيرازي، صاحب كتاب ما نزل في علي وأهل البيت.
11 ـ أبو الفتح محمّد بن عليّ بن إبراهيم النطنزي، المتوفّى حدود سنة 550.
12 ـ أبو القاسم عليّ بن الحسن بن عساكر الدمشقي، المتوفّى سنة 571.
13 ـ أبو سالم محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي، المتوفّى سنة 652.
14 ـ فخر الدين محمّد بن عمر الرازي، المتوفى سنة 653.
15 ـ عزّ الدين عبدالرزّاق بن رزق اللّه الرسعني الموصلي، المتوفّى سنة 661.
16 ـ نظام الدين الحسن بن محمّد النيسابوري، صاحب التفسير.
17 ـ السيّد عليّ بن شهاب الدين الهمداني، المتوفّى سنة 786.
18 ـ نور الدين عليّ بن محمّد بن الصبّاغ المالكي، المتوفّى سنة 855.
19 ـ بدر الدين محمود بن أحمد العيني، المتوفّى سنة 855.
20 ـ جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفّى سنة 911.
21 ـ القاضي محمّد بن عليّ الشوكاني، المتوفّى سنة 1250.
22 ـ السيّد شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، المتوفّى سنة 1270.
23 ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، المتوفّى سنة 1293.
وقد أوردنا نصوص روايات جمع منهم في قسم حديث الغدير من كتابنا الكبير(8).
وثانياً: الروايات المعتبرة سنداً في نزول الآية المباركة يوم غدير خمّ كثيرة كذلك، ومنها:

(1) سورة المائدة 5 : 67.
(2) المراجعات: 29 ـ 30.
(3) كذا، والصحيح: الحلواني.
(4) كذا، والصحيح: جحاف.
(5) تهذيب التهذيب 7 : 201 ـ 202.
(6) تقريب التهذيب 2 : 24.
(7) تهذيب التهذيب 7 : 301 ـ 302.
(8) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8 : 195 ـ 253.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *