التحقيق في أسانيده

التحقيق في أسانيده:
وعلى كلّ حال، فقد اقتضى استدلال بعضهم بهذا الحديث في هذا المقام لغرض المعارضة، أن نتكلّم حوله ببعض التفصيل، ليتبيّن حاله فلا يعارَض به شيء من أدلّة أصحابنا في مختلف المجالات، فنقول:
هذا الحديث ممّا أعرض عنه البخاري ومسلم، ولم يخرجه من أرباب السنن سوى الترمذي وابن ماجة، وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك، ولم يرووه إلاّ عن حذيفة وابن مسعود.
* فرووه عن حذيفة بن اليمان لكن بأسانيد ينتهي جلّها إلى: «عبدالملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة»(1).
* و«عبدالملك بن عمير» رجل مدلّس، ضعيف جدّاً، كثير الغلط، مضطرب الحديث جدّاً، كما في كتب الرجال:
فقد قال أحمد: «مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث وقد غلط في كثير منها».
وقال إسحاق بن منصور: «ضعّفه أحمد جدّاً» وعن أحمد أيضاً: «ضعيف يغلط».
وقال ابن معين: «مخلّط».
وقال أبو حاتم: «ليس بحافظ، تغيّر حفظه» وقال: «لم يوصف بالحفظ».
وقال ابن خراش: «كان شعبة لا يرضاه».
وقال الذهبي: «وأمّا ابن الجوزي، فذكره فحكى الجرح وما ذكر التوثيق».
وقال السمعاني وابن حجر: «كان مدلّساً»(2).
ومن مساوئ هذا الرجل: أنّه ذبح رسول الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام إلى أهل الكوفة، فإنّه لمّا رُمي بأمر من ابن زياد من فوق القصر وبقي به رمق، أتاه عبدالملك بن عمير فذبحه، فلمّا عيب عليه ذلك قال: إنّما أردت أن أُريحه(3).
* ثمّ إنّ «عبدالملك بن عمير» لم يسمع الحديث من «ربعي بن حراش» و«ربعي» لم يسمع من «حذيفة بن اليمان». ذكر ذلك المناوي حيث قال: «قال ابن حجر: اختلف فيه على عبدالملك، وأعلّه أبو حاتم، وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ، لأنّ عبدالملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمع من حذيفة»(4).
* ثمّ قال المناوي «لكن له شاهد».

قلت:
إن أُريد حديث ابن مسعود، كما هو صريح الحاكم والمناوي، فستعرف ما فيه. وإن أُريد حديث حذيفة بسند آخر عن ربعي، فهو ما رواه الترمذي عن «سالم بن العلاء المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة…»(5).

قلت:
مداره على «سالم بن العلاء المرادي» وقد ضعّفه ابن معين والنسائي وابن الجارود وابن حزم والذهبي وابن حجر وغيرهم(6).
* وعن عبداللّه بن مسعود عند الترمذي والحاكم، وهو بسند واحد، عن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي الزعراء، عن عبداللّه بن مسعود(7).
وإبراهيم، وأبوه، وجدّه، مقدوحون مجروحون جدّاً:
* أمّا «إبراهيم»:
فقد قال الذهبي: «ليّنه أبو زرعة، وتركه أبو حاتم»(8).
وحكى ابن حجر ذلك عن ابن أبي حاتم وأقرّه(9).
وقال العقيلي: «عن مطيّن: كان ابن نمير لا يرضاه ويضعّفه، وقال: روى أحاديث مناكير»، قال العقيلي: «ولم يكن إبراهيم هذا يقيم الحديث»(10).
* وأمّا «إسماعيل».
فقد قال الدارقطني والأزدي وغيرهما: «متروك»(11).
* وأمّا «يحيى بن سلمة» فقد كان أسوأ حالاً منهما:
فقد قال الترمذي: «يضعّف في الحديث»(12).
وقال المقدسي: «ضعّفه ابن معين. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال البخاري: في حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الترمذي: ضعيف»(13).
وقال الذهبي: «ضعيف»(14).
وقال ابن حجر: «ذكره ابن حبّان أيضاً في الضعفاء فقال: منكر الحديث جدّاً، لا يحتجّ به، وقال النسائي في الكنى: متروك الحديث، وقال ابن نمير، ليس ممّن يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروك، وقال مرّةً ضعيف، وقال العجلي: ضعيف»(15).

أقول:
هذه عمدة أسانيد هذا الحديث.
وقد روي في بعض الكتب عن غير حذيفة وابن مسعود، مع التنصيص على ضعفه وسقوطه؛ فرواه الهيثمي عن الطبراني، عن أبي الدرداء، فقال: «وفيه من لم أعرفهم»(16).
ورواه الذهبي عن عبداللّه بن عمر، ونصّ على سقوطه بما لا حاجة إلى نقله، فراجع(17).

(1) مسند أحمد بن حنبل 6 : 528 و 533 / 22734 و 22765، صحيح الترمذي، باب مناقب أبي بكر وعمر 6 : 43 / 3662، سنن ابن ماجة 1 : 80 / 97، باب مناقب أبي بكر، المستدرك على الصحيحين 3 : 75.
(2) الأنساب «القبطي»، تهذيب التهذيب 6 : 364، ميزان الاعتدال 2 : 660، تقريب التهذيب 1 : 521، المغني في الضعفاء 2 : 13. و فيه: عبدالملك بن عمرو.
(3) تلخيص الشافي 3 : 35، روضة الواعظين 1 : 405، مقتل الحسين: 228.
(4) فيض القدير شرح الجامع الصغير 2 : 56.
(5) الجامع الكبير 6 : 45 / 3663.
(6) ميزان الاعتدال 2 : 112، الكاشف 1 : 271، تهذيب التهذيب 3 : 381، لسان الميزان 3 : 7.
(7) الجامع الكبير 6 : 137 / 3805، المستدرك على الصحيحين 3 : 75.
(8) ميزان الاعتدال 1 : 20. المغني في الضعفاء 1 : 17.
(9) تهذيب التهذيب 1 : 92.
(10) تهذيب التهذيب 1 : 92.
(11) ميزان الاعتدال 1 : 254، المغني في الضعفاء 1 : 134، تهذيب التهذيب 1 : 293.
(12) الجامع الكبير 6 : 138.
(13) الكمال في أسماء الرجال ـ مخطوط.
(14) الكاشف 3 : 226.
(15) تهذيب التهذيب 11 : 197.
(16) مجمع الزوائد 9 : 53.
(17) ميزان الاعتدال 1 : 105 و ص 142، 3 : 610 ـ 611.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *