8 ـ الآلوسي

8 ـ الآلوسي:
وقال شهاب الدين الآلوسي بتفسير الآية: «وقالت الشيعة: إنّه عليٌّ كرّم اللّه تعالى وجهه، ورووا في ذلك أخباراً، وذكر ذلك القشيري منّا.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، والديلمي، وابن عساكر، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت (إنّما أنت منذر) الآية، وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله ]وسلّم يده على صدره فقال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه فقال: أنت الهادي، يا عليّ! بك يهتدي المهتدون من بعدي.
وأخرج عبداللّه بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصحّحه، وابن عساكر أيضاً، عن عليٍّ كرّم اللّه تعالى وجهه، أنّه قال في الآية: رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه [وآله] وسلّم المنذر وأنا الهادي. وفي لفظ: الهادي رجل من بني هاشم ـ يعني نفسه ـ واستدلّ بذلك الشيعة على خلافة عليٍّ كرّم اللّه تعالى وجهه بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم بلا فصل.
وأُجيب: بأنّا لا نسلّم صحّة الخبر، وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار عند أهل الأثر، وليس في الآية دلالة على ما تضمّنه بوجه من الوجوه، على أنّ قصارى ما فيه كونه كرّم اللّه تعالى وجهه به يهتدي المهتدون بعد رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه [وآله] وسلّم وذلك لا يستدعي إلاّ إثبات مرتبة الإرشاد وهو أمر، والخلافة التي نقول بها أمر آخر، ولا تلازم بينهما عندنا.
وقال بعضهم: إن صحّ الخبر يلزم القول بصحّة خلافة الثلاثة رضي اللّه تعالى عنهم، حيث دلّ على أنّه كرّم اللّه تعالى وجهه على الحقّ في ما يأتي ويذر، وأنّه الذي يُهتدى به، وهو قد بايع أُولئك الخلفاء طوعاً، ومدحهم وأثنى عليهم خيراً، ولم يطعن في خلافتهم، فينبغي الاقتداء به والجري على سننه في ذلك، ودون إثبات خلاف ما أظهر خرط القتاد.
وقال أبو حيّان: إنّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم على فرض صحّة الرواية إنّما جعل عليّاً كرّم اللّه تعالى وجهه مثالاً من علماء الأُمّة وهداتها إلى الدين، فكأنّه عليه الصلاة والسلام قال: يا عليّ هذا وصفك؛ فيدخل الخلفاء الثلاث، وسائر علماء الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم، بل وسائر علماء الأُمّة.
وعليه: فيكون معنى الآية: إنّما أنت منذر ولكلّ قوم في القديم والحديث إلى ما شاء اللّه تعالى هداة دعاء إلى الخير.
وظاهره أنّه لم يَحْمِل تقديم المعمول في خبر ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما على الحصر الحقيقي، وحينئذ لا مانع من القول بكثرة من يُهتدى به.
ويؤيّد عدم الحصر ما جاء عندنا من قوله صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: (اقتدوا باللذَين مِن بعدي: أبي بكر وعمر) وأخبار أُخر متضمّنة لإثبات من يُهتدى به غير عليٍّ كرّم اللّه تعالى وجهه، وأنا أظنّك لا تلتفت إلى التأويل، ولا تعبأ بما قيل، وتكتفي بمنع صحّة الخبر وتقول: ليس في الآية ممّا يدلّ عليه عين ولا أثر»(1).

أقول:
وكلامهم حول هذا الحديث الشريف يكون في جهتين، جهة السند، وجهة الدلالة، ونحن نتكلّم على كلتا الجهتين، بالنظر إلى الكلمات المذكورة، لتظهر الحقيقة لكلّ منصف حرّ….

(1) روح المعاني 13 : 108.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *