في تعيين النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم المراد من “القربى”

قال السيّد رحمه الله :
« هل حكم بافتراض المودّة لغيرهم محكم التنزيل ؟! ».

قال في الهامش :
« كلاّ ، بل اختصّهم الله سبحانه بذلك تفضيلاً لهم على من سواهم فقال :
( قل لا أسئلكم أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنةً (وهي هنا مودّتهم) نزدله فيها حسناً إن الله غفور (لأهل مودّتهم) شكور (لهم على ذلك ) )»(1) .

فقيل :
« هذه الآية قال الإمام أحمد في سبب نزولها :
حدّثنا يحيى ، عن شعبة ، حدّثني عبدالملك بن ميسرة ، عن طاووس ، قال : أتى ابن عبّاس رجل فسأله..
وسليمان بن داود ، قال : أخبرنا شعبة ، أنبأني عبدالملك ، قال سمعت طاووساً يقول : سأل رجل ابن عبّاس المعنى عن قول الله عزّ وجلّ : ( قل لاأسألكم عليه إلاّ المودّة في القربى ) فقال سعيد بن جبير : قربى محمّد صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم ; قال ابن عبّاس : عجلت ! وإن رسول الله صلّى الله عليه ]وآله [وسلّم لم يكن بطن من قريش إلاّ لرسول الله صلّى الله عليه ]وآله [وسلّم فيهم قرابة . فنزلت ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) إلاّ أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم(2).
وكذلك روى البخاري(3) هذا الحديث ، وليس عنده (فنزلت). وأخرجه الطبري 25 : 23 وفيه: إلاّ القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها . وعزاه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 3 : 368 إلى أحمد بن منيع وقال : صحيح.
هذا ، ويدلّ أنّ هذه الآية تدلّ على هذا المعنى : أنّ الله تعالى لم يقل : (إلاّالمودّة لذي القربى ) ، بل قال : ( في القربى ). ألا ترى أنّه لمّا أراد ذوي قربته قال : (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى ).
وليس موالاتنا لأهل البيت من أجر النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم في شي ، وهوصلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم لا يسألنا أجراً ، بل أجره على الله تعالى.
ثمّ إنّ الآية مكيّة باتّفاق ، ولم يكن علىّ تزوّج بفاطمة بعد ، ولا وُلد ولد لهما.
وبهذا يتبين لك التكلف الممقوت ، وتحميل كلام الله عزّ وجلّ مالا يحتمل عندما يقول المؤلّف : ( بل اختصهم الله سبحانه بذلك تفضيلا لهم على من سواهم : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنة ( وهي هنا مودّتهم ) نزد له فيها حسناً إن الله غفور ( لاهل مودّتهم ) شكور ( لهم على ذلك ) ).
ومن أين له هذا التفسير ؟! وهل يستقيم له ذلك بعقل أو نقل ؟! اللّهمّ لا » .

أقول :
إنّ هذا الذي ذكر ما هو إلاّ خلاصة لما قاله المتمادون في التعصّب من أهل السُنّة ، ومنهم ابن تيميّة في غير موضع من كتابه « منهاج السنّة » فليس هذا بشيء جديد ، وإنّما هو تقليد ، كما سيظهر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد… فها هنا فصول :

الفصل الأوّل
في تعيين النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
المراد من « القربى »

إنّه إذا كنّا تبعاً للكتاب والسنّة ، ونريد ـ حقّاً ـ الأخذ ـ اعتقاداً وعملاً ـ بما جاءفي كلام الله العزيز وأتى به الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم… كان الواجب علينا الرجوع إلى النبيّ نفسه وتحكيمه في كلّ ما شجر بيننا واختلفنا فيه ، كما أمر سبحانه وتعالى بذلك حيث قال : ( فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً )(4).
لقد وقع الاختلاف في معنى قوله تعالى : ( ذلك الذي يبشّر الله عباده الّذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى… )(5) … لكنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم سبق وأن بيّن المعنى وأوضح المراد من « القربى » في أخبار طرفي الخلاف كليهما ، فلماذا لا يقبل قوله ويبقى الخلاف على حاله ؟!
لقد عيّن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم المراد من « القربى » في الآية ، فالمراد أقرباؤه ، وهم علىّ والزهراء وولداهما.. فهؤلاء هم المراد من « القربى » هنا كما كانوا المراد من « أهل البيت » في آية التطهير بتعيين منه كذلك.

(1) المراجعات : 26 .
(2) مسند أحمد 1 : 379/2025 .
(3) صحيح البخاري 3 : 320/4818 .
(4) سورة النساء 4 : 65 .
(5) سورة الشورى 42 : 23 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *