تقي الدين السبكي

تقي الدين السبكي (756)
قال ولده تاج الدين بترجمته من الطبقات، في ذكر مناقبه:
«إمام ناضح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنضاله وجاهد بجداله، ولم يلطّخ بالدماء حدّ نصاله، حمى جناب النبوّة الشريف، بقيامه في نصره وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره، فلم يخط على بعد الديار سهمه الراشق ولم يخف مسامَّ تلك الدسائس فهمه الناشق، ثم لم يزل حتى نقّى الصدور من شبه دنسها ووقّى من الوقوع في ظلم حندسها.
قام حين خلّط على ابن تيمية الأمر، وسوّل له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة، يغفر الله له ولا حرمها، وأنكر شدّ الرحال لمجرّد الزيارة لا واخذه الله وقطع رحمها.
وما برح يدلج ويسير، حتى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا ينتهك نصراً مؤزّراً، وكشف من خبّ الضمائر في الصدور عنه صدراً موغراً، فأمسك ما تماسك من باقي العرى، وحصّل أجراً في الدنيا وفي الآخرة يرى، حتى سهّل السبيل إلى زيارة صاحب القبر عليه الصلاة والسلام، وقد كادت تزوّر عنه قسراً صدور الركائب، وتجرّ قهراً أعنّة القلوب وهنّ لوائب، بتلك الشبهة التي كادت شرارتها تعلق بحداد الأوهام، وتمدّ غيهب صداها صدأ على مزايا الأفهام، وهيهات، كيف يزار المسجد ويخفى صاحبه صلّى الله عليه وسلّم أو يخفيه الإبهام أو تذاد المطي عنه وهي تتراشق إليه كالسهام، ولولاه عليه الصلاة والسلام لما عرف تفضيل ذلك المسجد، ولا يمَّ إلى ذلك المحلّ تأميل المغير ولا المنجد، ولولاه لمّا قدّس الوادي ولا اسّس على التقوى مسجد في ذلك النادي، وكذلك قبلها، شكر الله له، قام في لزوم ما انعقد عليه الإجماع، وبُعد الظهور بمخالفته على الأطماع.
ومنع في مسألة الطلاق أن تجرى في الكفارة مجرى اليمين، وأن تجلى في صورة إن حقّقت لا تبين، خوفاً على محفوظ الأنساب ومحظوظ الأحساب، لما كانت تؤدّي إليه هذه العظيمة وتستولي عليه هذه المصيبة العميمة.
وصنّف في الرد على هاتين المسألتين كتابيه، بل جرّد سيفه وأرهف ذبابيه، و ردّ القِرن وهو ألد خصيم، وشدّ عليه وهو يشد على غير هزيم، وقابله وهو الشمس التي تعشي الأبصار، وقاتله وكم جهد ما يثبت البطل لعليّ وفي يده ذو الفقار.. بجهاد أيّد صاحب الشريعة وآزره، و ردّ على من سدّ باب الذريعة وخَذَلَ ناصره، وأمضى يسابق إليه مرمى طرفه…»(1).
وذكر السبكي بترجمة والده الشعر الذي قرّظ به منهاج السنّة، وفيه إشارة إلى عقائد ابن تيمية ومناهجه في كتابه المذكور:
«أنشدنا شيخ الإسلام الشيخ الإمام لنفسه، وقد وقف على كتاب صنّفه ابن تيمية في الردّ على ابن المطهّر الرافضي:
ولابن تيمية ردّ عليه وفى *** بمقصد الردّ واستيفاء أضربه
لكنّه خلط الحق المبين بما *** يشوبه كدراً في صفو مشربه
يخالط الحشو أنى كان فهو له *** حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأوّلها *** في الله سبحانه عمّا يظنّ به
لو كان حيّاً يرى قولي ويفهمه *** رددت ما قال أقفوا إثر سبسبه
كما رددت عليه في الطلاق وفي *** ترك الزيارة ردّاً غير مشتبه
وبعده لا أرى للردّ فائدةً *** هذا وجوهره ممّا أضنُّ به»
إلى آخر الأبيات(2).

(1) طبقات الشافعية الكبرى الترجمة 1393، علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام، 10/149ـ151.
(2) طبقات الشافعية 10/176ـ177.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *