1 ـ دفاعه عن الشيوخ الثلاثة

الباب الثامن:

مواقف ابن تيميّة

من المناوئين لعليّ وأهل البيت

الدفاع عنهم، والثناء عليهم

وكان موقفه من المناوئين لعلي وأهل البيت عليهم السّلام على العكس تماماً، فقد حاول الدفاع عنهم، وتبرير ما صدر منهم، والمدح والثناء لهم، بما أمكنه من الأساليب…
وقد تتلخّص أساليب الدفاع عنهم بما يلي:
1 ـ التأويل: فطالما أوّل الأقوال والأفعال ممّا لا يتحمّل التأويل أصلا، وحتّى في بعض الموارد يصرّح بضرورة التأويل، فمثلا يذكر ـ من باب التمهيد ـ بعد الآيات التي ظاهرها القدح في الأنبياء، كالواردة في قضية آدم وحواء، وفي قضية موسى، ثم يقول: «وإن ادّعى مدّع أنّ هذه النصوص مؤوّلة، قيل له: فيجوز لغيرك أن يتأوّل قول الصدّيق، لما ثبت بالدلائل الكثيرة من إيمانه وعلمه وتقواه وورعه. فإذا ورد لفظ مجمل يعارض ما علم وجب تأويله»(1).
2 ـ المعارضة: حتّى بالأكاذيب والإفتراءات، وحتى بدعاوى النواصب والخوارج، وما أكثر هذه الموارد، (وسنذكر طرفاً منها في موضعها). وقد صرّح باستعماله هذا الاسلوب حيث قال: «ومن الطرق الحسنة في مناظرة هذا، أن يورد عليه من جنس ما يورده على أهل الحق وما هو أغلظ منه، فإن المعارضة نافعة، وحينئذ، فإن فهم الجواب الصحيح علم الجواب عمّا يورد على الحق، وإن وقع في الحيرة والعجز عن الجواب اندفع شرّه بذلك، وقيل له: جوابك عن هذا هو جوابنا عن هذا»(2).
3 ـ السبّ والشتم: للشيعة عامّة ولعلمائهم ـ العلاّمة الحلّي وغيره ـ خاصةً… وقد ذكرنا من هذا نماذج في فصل خاص… ولنذكر مورداً واحداً: قال العلاّمة عن عمر: «إنه ابتدع التراويح…».
فقال ابن تيمية في الجواب: «فيقال: ما رؤي في طوائف أهل البدع والضلال أجرأ من هذه الطائفة الرافضة على الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقولها عليه ما لم يقله، والوقاحة المفرطة في الكذب، وإن كان فيهم من لا يعرف أنها كذب فهو مفرط في الجهل كما قال:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم»(3)
ثم اعترف بكون هذا الفعل بدعة لم يُفعل من قبل.
4 ـ إنكار الحقائق وتكذيبها، كقوله في انهزام الشيخين في بعض الحروب: «كذب»(4) وفي أمر عثمان بضرب ابن مسعود: «كذب»(5) وفي كون أبي بكر في بعث اُسامة: «كذب»(6)… وهكذا…
5 ـ التصحيح والإلتزام، والإعتذار بما يضحك منه كلّ عاقل، فإنّه بعد أن لم يمكنه لا التكذيب ولا المعارضة ولا التأويل، يلتزم بما كان!، انظر مثلا إلى قوله ـ في الدفاع عن أبي بكر وعمر وأصحابهما، في الهجوم على بيت فاطمة:
«غاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه، وأن يعطيه لمستحقّه…»!!(7).
أقول:
فهذه عمدة أساليبه في الدّفاع عن مناوئي أميرالمؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، ولنذكر ذلك ببعض التفصيل تحت عناوين عامّة ثم عناوين خاصّة:

1 ـ دفاعه عن الشيوخ الثلاثة
إن الكلام في خلافة الثلاثة يقع في جهتين، الأولى: في أدلّة خلافتهم، ممّا يدّعى كونه نصّاً أو يدّعى دلالته على الأفضليّة، في روايات القوم. والثانية: في الموانع عن خلافتهم، ممّا يكون نصّاً في عدم النصّ عليهم، أو يدل على عدم العدالة بل مطلق الفضيلة فيهم، مما جاء في أقوالهم وأفعالهم…
وقد بحث العلامة في كلتا الجهتين.
ويقول ابن تيميّة: «لا يطعن على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلاّ أحد رجلين: إمّا رجل منافق زنديق ملحد عدوّ للإسلام، يتوصل بالطعن فيهما إلى الطعن في الرسول ودين الإسلام. وهذا حال المعلّم الأول للرافضة، أول من ابتدع الرفض، وحال أئمة الباطنية. وإمّا جاهل مفرط في الجهل والهوى، وهو الغالب على عامّة الشيعة، إذا كانوا مسلمين في الباطن»(8).
يقول العلاّمة: «إن الإمامية لمّآ رأوا فضائل أميرالمؤمنين وكمالاته لا ـ تحصى، قد رواها المخالف والموافق، ورأوا الجمهور قد نقلوا عن غيره من الصحابة مطاعن كثيرة، ولم ينقلوا في علي طعناً ألبتة، اتّبعوا قوله وجعلوه إماماً لهم، حيث نزّهه المخالف والموافق، وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته. ونحن نذكر هنا شيئاً يسيراً ممّا هو صحيح عندهم، ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم، ليكون حجةً عليهم يوم القيامة»(9).
فذكر طرفاً من الأحاديث عن الكتب الستّة وغيرها.
هذا كلام العلاّمة. فانظر إلى كلام ابن تيمية، حيث يقول في جوابه:
«والجواب أن يقال: إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي، والأحاديث التي ذكرها هذا وذكر أنّها في الصحيح عند الجمهور وأنّهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم، هو من أبين الكذب على علماء الجمهور، فإنّ هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتّفاق أهل المعرفة بالحديث، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدلّ على إمامة علي، ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر، بل وليست من خصائصه…
وأمّا ما ذكره من المطاعن، فلا يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلاّ وجّه على علي ما هو مثله أو أعظم منه.
فتبيّن أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل…
وأمّا قوله: إنهم جعلوه إماماً لهم حيث نزّهه المخالف والموافق…
فيقال: هذا كذب بيّن، فإنّ عليّاً رضي الله عنه لم ينزّهه المخالفون… فإنّ الخوارج متّفقون على كفره، وهم عند المسلمين كلّهم خير من الغلاة… والخوارج المكفّرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضّون عنهما، والمروانية الذين ينسبون عليّاً إلى الظلم ويقولون إنّه لم يكن خليفة يوالون أبا بكر وعمر، مع أنهما ليسا من أقاربهم فكيف يقال مع هذا: إن عليّاً نزّهه المؤالف والمخالف… والذين قدحوا في علي رضي الله عنه وجعلوه كافراً وظالماً، ليس فيهم طائفة معروفة بالردّة عن الإسلام، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة…»(10).
أقول:
قارن بين الكلامين! واقرأ كلامه بإمعان وتفهّم، واحكم بما يقتضيه الدّين والإنصاف!!

(1) منهاج السنة 8/272.
(2) منهاج السنة 8/283.
(3) منهاج السنة 8/304.
(4) منهاج السنة 8/91، 118، 122.
(5) منهاج السنة 6/255.
(6) منهاج السنة 5/486، 6/319، 8/292.
(7) منهاج السنة 8/291.
(8) منهاج السنة 6/115.
(9) منهاج السنة 5/5.
(10) منهاج السنة 5/6.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *