قول الشيعة الأوائل وأولاد الأئمة بأفضليّة أبي بكر وعمر

لباب السادس:

ابن تيميّة

ورجالاتُ الأُسرة الهاشميّة

والشّيعةُ الأوائل

من أصحاب النبي والأئمة

عقائدهم، مناقبهم، أحوالهم

وكم كذب ابن تيميّة على أولاد الأئمة عليهم السلام وأصحابهم، وعلى رجالات الشّيعة من الصّحابة المشهورين بالولاية لأمير المؤمنين، كابن عبّاس وأبي ذر وأمثالهما، كمالك الأشتر وهاشم المرقال ومحمّد بن أبي بكر، وكم طعن في عدالتهم، وقدح في مناقبهم، ونسب إليهم مالم يقولوه…؟!

قول الشيعة الأوائل وأولاد الأئمة بأفضليّة أبي بكر وعمر
فأهمّ شيء بذل سعيه فيه هو نسبة القول بأفضليّة أبي بكر وعمر من علي عليه السلام إليهم واتّهامهم بذلك، وتكذيب كونهم شيعةً لعلي عليه السّلام… وهذا ما زال يكرّره ويصرّ عليه في كتابه:
قال: «وإن كذبوا على أبي ذر من الصحابة وسلمان وعمّار وغيرهم، فمن المتواتر أنّ هؤلاء كانوا من أعظم الناس تعظيماً لأبي بكر وعمر واتّباعاً لهما، وإنّما ينقل عن بعضهم التعنّت على عثمان، لا على أبي بكر وعمر»(1).
وقال: «وقد اتّهم بمذهب الزيدية: الحسن بن صالح بن حي، وكان فقيهاً صالحاً زاهداً، وقيل: إن ذلك كذب عليه، ولم ينقل أحد عنه أنّه طعن في أبي بكر وعمر، فضلا عن أن يشك في إمامتهما.
واتّهم طائفة من الشيعة الأولى بتفضيل علي على عثمان، ولم يتّهم أحدٌ من الشيعة الأولى بتفضيل علي على أبي بكر وعمر، بل كانت عامّة الشيعة الأولى الذين يحبّون عليّاً يفضّلون عليه أبا بكر وعمر، لكن كان فيهم طائفة ترجّحه على عثمان»(2).
وقال: «حتى أنّ الشّيعة الأولى أصحاب علي لم يكونوا يرتابون في تقديم أبي بكر وعمر عليه»(3).
وقال: «بل الشّيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي كانوا يفضّلون أبا بكر وعمر. وقال ابن القاسم: سألت مالكاً عن أبي بكر وعمر، فقال: ما رأيت أحداً ممن اقتدي به يشكُّ في تقديمهما ـ يعني على علي وعثمان ـ فحكى إجماع أهل المدينة على تقديمهما»(4).
وقال: «ولهذا كانت الشّيعة المتقدّمون الذين صحبوا علياً أو كانوا في ذلك الزمان، لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر، وإنّما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان، وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر، حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي، قال: سأل سائل شريك بن عبدالله بن أبي نمر فقال له: أيّهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر… ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ، نقله عنه القاضي عبد الجبّار الهمداني في كتاب تثبيت النبوّة»(5).
أقول:
وهنا مطالب:
الأول: فيما يتعلّق بأبي ذر وسلمان وعمّار وغيرهم.. والكلام هنا كثير، لكنّا نكتفي بإيراد كلام لابن عبد البر، وآخر لابن حزم، وكلاهما متقدّمان على ابن تيمية بكثير، وهما من أئمة أهل السنّة المشاهير، لا سيّما الثاني منهما، فإنّ ابن تيميّة يقتدي ويهتدي به في كثير من المواضع:
قال ابن عبد البر: «وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره»(6).
وقال ابن حزم: «اختلف المسلمون فيمن هو أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام، فذهب بعض أهل السنّة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة، إلى أن أفضل الاُمّة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علي بن أبي ـ طالب. وقد روينا هذا القول نصّاً عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين والفقهاء» (قال): «وروينا عن نحو عشرين من الصحابة: أن أكرم الناس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام»(7).
وقال الذهبي: «ليس تفضيل علي برفض ولا هو ببدعة، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين»(8).
الثّاني: فيما يتعلّق بالحسن بن صالح بن حي، فابن تيمية كتم هنا واقع الحال في رأيه، وصرّح به في موضع آخر حيث قال:
«وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفتيا، إلاّ ما نقل عن الحسن ابن صالح بن حيّ، أنه كان يفضّل علياً»(9).
والثالث: فيما يتعلّق بما حكاه عن «شريك بن عبدالله بن أبي نمر» فنقول:
أولا: ليس هذا الرجل من الشيعة، ولذا لا تجد وصفه بالتشيّع في الكتب التي ذكرته(10).
وثانياً: قد تكلّم غير واحد من الأئمة عندهم في هذا الرجل، حتى أنّ ابن ـ حزم اتّهمه بالوضع(11).
وثالثاً: قالوا: توفي بعد سنة 140، وعن ابن عبد البر: مات سنة 144، فمتى رأى علياً عليه السلام، وكم كان عمره؟ وابن تيميّة يصرّ في البحث عن المهدي المنتظر أن أفراد هذه الاُمّة لا تبلغ أعمارهم المائة!!
ورابعاً: إن نقلة هذا الخبر هم المعتزلة، فابن تيميّة عيال عليهم، والإمامية الإثنا عشرية لا يثقون بهم.

(1) منهاج السنة 2/94.
(2) منهاج السنة 4/131ـ132.
(3) منهاج السنة 2/72.
(4) منهاج السنة 2/84ـ85.
(5) منهاج السنة 1/13ـ15.
(6) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ باب علي، الترجمة 1855، 3/1090.
(7) الفصل في الملل والاهواء والنحل ـ الكلام في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة 4/111 ولا يخفى أنّ وجود الزبير لا يضرّ بالمقصود.
(8) سير أعلام النبلاء ـ الترجمة 332، الدارقطني 16/457.
(9) منهاج السنة 7/286.
(10) فراجع: سير أعلام النبلاء الترجمة 73، شريك 6/159. تهذيب الكمال الترجمة 2737، شريك بن عبدالله بن أبي نمر 12/475، تهذيب التهذيب الترجمة 2884، شريك بن عبدالله بن أبي نمر القرشي 4/307.
(11) فراجع: سير أعلام النبلاء الترجمة 73، شريك 6/159، ميزان الاعتدال ـ حرف الشين ـ الترجمة 3696، شريك بن عبدالله بن أبي نمر 2/269 وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *