حديث الطير، مكذوب موضوع

حديث الطّير: من المكذوبات الموضوعات
قال ابن تيميّة: «إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل، قال أبو موسى المديني: قد جمع غير واحد من الحفّاظ طرق أحاديث الطير للإعتبار والمعرفة، كالحاكم النيسابوري وأبي نعيم وابن مردويه، وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح»(1).
أقول:
إنّ حديث الطير من أصحّ الأحاديث وأدلّها على أفضلية أميرالمؤمنين عليه السلام وإمامته بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم…
فلقد رواه عن النبي اثنا عشر رجلا من الصّحابة: أوّلهم: علي أميرالمؤمنين، وقد روى حديثه جماعة منهم: الحاكم النيسابوري. والثاني: عبدالله بن العبّاس، وقد روى حديثه جماعة منهم: ابن صاعد، والثالث: أبو سعيد الخدري، وقد روى حديثه جماعة منهم: الحاكم، والرابع: سفينة. وقد روى حديثه جماعة منهم: أحمد والحاكم. والخامس: أبو الطفيل. وقد روى حديثه جماعة منهم: الحاكم. والسادس: أنس بن مالك، وقد روى حديثه جماعة منهم: الترمذي، والبزّار، والنسائي، والحاكم، والبيهقي، وابن حجر… والسابع: سعد بن أبي وقاص، وقد روى حديثه جماعة، منهم: أبو نعيم الإصفهاني. والثامن: عمرو بن العاص، وقد جاءت روايته في كتاب له إلى معاوية، رواه الخوارزمي المكي. والتاسع: أبو مرازم يعلى بن مرّة، وقد روى حديثه: أبو عبدالله الكنجي الشافعي.
والعاشر: جابر بن عبدالله الأنصاري، وقد روى حديثه جماعة منهم: ابن عساكر.والحادي عشر: أبو رافع، وقد روى حديثه: ابن كثير الشامي. والثاني عشر: حبشي بن جنادة، ويوجد حديثه عند ابن كثير.
فهؤلاء رواة حديث الطير من الصحابة، وتلك جماعة من رواة هذا الحديث… ولنذكر ـ مع ذلك ـ أسماء عدّة من الأئمة والحفاظ الكبار الرواة لهذا الحديث:
أبو حنيفة النّعمان بن ثابت، أحمد بن حنبل، أبو حاتم الرازي، الترمذي، البزار، النسائي، أبو يعلى، محمّد بن جرير الطبري، الطبراني، الدار قطني، ابن بطّة العكبري، الحاكم، إبن مردويه، البيهقي، إبن عبد البر، الخطيب، أبو المظفر السمعاني، البغوي، إبن عساكر، إبن الأثير، المزّي، الذهبي، إبن حجر العسقلاني،السيوطي…
ولأهميّة هذا الحديث معنىً وكثرة طرقه أفرده غير واحد بالتأليف، ومنهم: ابن جرير الطبري، وابن عقدة، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم، وأبو طاهر بن حمدان، والذهبي.
ثم إنّ هذا الجمع والإعتناء به قد يدل على التّصحيح، ولذا قال السبكي في كلام له حول جمع الحاكم طرق هذا الحديث: «قلنا: وغاية جمع هذا الحديث أن يدل على أن الحاكم يحكم بصحته، ولو لا ذلك لما أودعه المستدرك، ولا يدل ذلك منه على تقديم علي رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار أبي بكر…»(2).
بل نصَّ المقدسي والذهبي على أنه جمع أخبار الطير، وكان يراه صحيحاً على شرط البخاري ومسلم(3).
قلت: وأخرجه في المستدرك ونصَّ على صحّته على شرط الشيخين وأضاف بأنه قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً.
(قال): «ثمّ صحّت الرّواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة»(4).
أمّا الذهبي نفسه فقال: «وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً، قد أفردتها بمصنَّف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل. وأما حديث: من كنت مولاه، فله طرق جيّدة وقد أفردت ذلك أيضاً»(5).
ومن أسانيده المعتبرة:
* قال الحافظ ابن كثير: «وقد رواه ابن أبي حاتم، عن عمّار بن خالد الواسطي، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس.
وهذا أجود من إسناد الحاكم»(6).
أقول:
أمّا «ابن أبي حاتم» فهو الحافظ الثقة، الإمام المشهور.
وأمّا «عمّار بن خالد الواسطي» فقد ترجم له ابن أبي حاتم قال: «كتبت عنه مع أبي بواسط، وكان ثقة صدوقاً. وحدثنا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه
فقال: صدوق»(7).
وأمّا «إسحاق الأزرق» فهو ثقة، من رجال الكتب الستة(8).
وأمّا «عبد الملك بن أبي سليمان» فكذلك(9).
فالحديث صحيحٌ بلا كلام.
* وما أخرجه الطّبراني قال: «حدّثنا عبيد العجلي، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا حسين بن محمّد، ثنا سليمان بن قرم، عن فطر بن خليفة، عن عبدالرحمن بن أبي نعم، عن سفينة مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم…»(10).
قال الهيثمي بعده: «رجال الطبراني رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(11).
* وما أخرجه الطبراني والحاكم، بسند لم يُتكلّم فيه إلاّ من جهة «أحمد بن عياض بن أبي طيبة» قال الهيثمي: «لم أعرفه. وبقيّة رجاله رجال الصحيح»(12) وكذا قال الذهبي(13). وقال الصّلاح العلائي: «رجال هذا السند كلّهم ثقات معروفون، سوى أحمد بن عياض، فلم أر من ذكره بتوثيق ولا جرح»(14).
أقول: لكن ابن حجر الحافظ تعقّب الذهبي قائلا: «قلت: ذكره ابن يونس في تاريخ مصر قال: أحمد بن عياض بن عبد الملك بن نصير الفرضي مولى حبيب، من ذا يكنى أبا غسّان، يروي عنه يحيى بن حسّان، توفي سنة احدى وتسعين ومائتين، هكذا ذكره ولم يذكر فيه جرحاً. ثم أسند له حديثاً فقال…، وهذا طرف من حديث الطير…»(15).
فالرجل معروف، ولا جرح له، بل مقتضى رواية الحاكم والطبراني وابن يونس حديث الطير عنه يقتضي كونه ثقة. فالسند صحيح.
* هذا، ولحديث الطير أسانيد معتبرة كثيرة، تجد عدّةً منها في المجلدين المختصين به في كتابنا الكبير(16).
وقول ابن تيميّة: «وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح».
مردود بأنّ الحاكم أخرجه في (المستدرك) وأصرّ على صحّته، كما عن غير واحد من الأئمة أنّ الحاكم جمع أسانيد هذا الحديث في مصنَّف ونصَ على صحّته على شرط البخاري ومسلم… لكنّ القوم لمّا رأوا ذلك من الحاكم وضعوا على لسانه القول بعدم صحّته، كما حاولوا الإجابة عن إخراجه هذا الحديث في المستدرك، لكن أجوبتهم لا تغني، كما لا يخفى على من راجع مقدمة حديث الطير من كتابنا الكبير.

(1) منهاج السنة 7/371ـ372.
(2) طبقات الشافعية الكبرى ـ الترجمة 328، محمّد بن عبدالله بن محمّد بن حمدويه بن نعيم 4/165.
(3) المنتظم 7/275 سير أعلام النبلاء 17/168 ترجمة الحاكم.
(4) المستدرك على الصحيحين 3/130.
(5) تذكرة الحفاظ ـ الترجمة 962، الحاكم 3/1042 ـ 1043.
(6) البداية والنهاية سنة أربعين من الهجرة، حديث الطير 7/387 ـ 388.
(7) الجرح والتعديل الترجمة 2201، عمار بن خالد الواسطي 6/395.
(8) تقريب التهذيب ـ حرف الألف، ذكر من اسمه إسحاق ـ الترجمة 396.
(9) تقريب التهذيب حرف العين، ذكر من اسمه عبد الملك، الترجمة 4184، عبد الملك بن أبي سليمان: 304.
(10) المعجم الكبير الترجمة 6437، 7/95 ـ 96.
(11) مجمع الزوائد كتاب المناقب، باب فيمن يحبّه أو يبغضه او يسبّه، 9/126.
(12) المصدر نفسه.
(13) ميزان الاعتدال حرف الميم، الترجمة 7180 محمّد بن أحمد بن عياض 3/465.
(14) طبقات الشافعية الكبرى ـ الترجمة 328، محمد بن عبدالله بن محمّد بن حمدويه بن نعيم 4/170.
(15)لسان الميزان ـ الترجمة 7036، محمد بن أحمد بن عياض 5/681.
(16) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ج 13 و14.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *