حديث الأشباه، كذب

حديث الأشباه، كذب
قال العلاّمة: «وروى البيهقي بإسناده عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. فأثبت له ما تفرّق فيهم».
فقال ابن تيمية: «هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بلا ريب عند أهل العلم بالحديث»(1).
أقول:
وهذا الحديث يعرف بحديث (الأشباه)، وهو مرويٌّ عن عدّة من الصّحابة، ورواته أئمة مشاهير في مختلف القرون; ومن رواته من الأئمة والحفّاظ الكبار:
عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي، والحاكم النيسابوري، وأبو بكر البيهقي، وأبو بكر بن مردويه الإصفهاني، وأبو نعيم الإصفهاني، وغيرهم.
ومن أصحّ أسانيده وأجودها: رواية «عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم…».
هكذا قال ياقوت الحموي، بترجمة محمّد بن أحمد بن عبيدالله الكاتب المعروف بابن المفجّع(2).
أمّا (ياقوت الحموي) فهو من أشهر العلماء الأدباء عند القوم، وهو مشهور بالميل عن علي عليه السلام، بل بالعداء والنصب له، كما ذكر المترجمون له(3).
وأما (عبد الرزاق) فهو شيخ البخاري، ومن رجال الصحيحين(4).
وأما (معمر) فهو: ابن راشد، من رجال الصحيحين(5).
وأما (الزهري) فهو أيضاً من رجال الصحيحين(6).
وأمّا (سعيد بن المسيّب) فهو أيضاً من رجال الصحيحين(7).
هذا، ولا يخفى على الخبير بآراء ابن تيميّة في كتاب (منهاج السنّة) ثناؤه واعتماده على غير واحد من رجال هذا الإسناد، كعبد الرزاق والزّهري.
ولأجل أن هذا الحديث صحيح، ودلالته على الأفضلية واضحة، كان من جملة ما يستدلُّ به على إمامة أميرالمؤمنين عليه الصّلاة والسّلام، في كتب الإمامية، ومن أراد التفصيل فيه ـ سنداً ودلالةً ـ فليرجع إليها.
وممّا يدل على ثبوت هذا الحديث أنّ كبار المتكلّمين من أهل السنّة ـ كالقاضي عضد الدين الإيجي، والشريف الجرجاني، وسعد الدين التفتازاني ـ لم يرموا الحديث بالكذب والوضع، ولم يناقشوا في سنده، وإنما أجابوا عن الإستدلال به باحتمال تخصيص أبي بكر وعمر منه(8).
وبعبارة علميّة: إنهم لم يتكلّموا في جهة الإقتضاء، وإنما احتملوا وجود المانع عنه فقط.
ويجاب عن ذلك بأنّ مجرَّد الإحتمال لا يكفي، والفضائل المزعومة لأبي بكر وعمر إنما تفرّد بها أهل السنّة ـ على فرض ثبوتها عندهم ـ على أنّ ابن تيميّة لم يعترض على هذا الحديث إلاّ من جهة المقتضي، وقد عرفت صحة سنده.

(1) منهاج السنّة 5/510.
(2) معجم الادباء ـ الترجمة 793، محمّد بن أحمد بن عبيد الله الكاتب 5/137.
(3) شذرات الذهب الجزء سنة ست وعشرين وستمائة 3/121.
(4) تقريب التهذيب ـ حرف العين الترجمة 4064، عبد الرزاق بن همام بن نافع: 296.
(5) تقريب التهذيب ـ حرف الميم الترجمة 6809 معمر بن راشد الأزدي: 473.
(6) تقريب التهذيب ـ حرف الميم، ذكر من اسمه محمّد الترجمة 6296 محمد بن مسلم بن عبيدالله: 440.
(7) تقريب التهذيب ـ حرف السين، ذكر من اسمه سعيد الترجمة 2396، سعيد بن المسيّب 1: 181.
(8) شرح المقاصد الفصل الرابع في الامامة، المبحث السادس الأفضليّة بين الخلفاء الراشدين 5/299.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *