فضائله ومناقبه في السّنة/عدد مناقبه الصحيحة وتكذيب كلمة أحمد بن حنبل

4 ـ حول فضائله ومناقبه في السنّة

عدد مناقبه الصحيحة
واضطرب ابن تيميّة تجاه أحاديث فضائل ومناقب مولانا أميرالمؤمنين عليه السّلام، التي رواها الأئمة الأعلام من أهل السنّة عبر القرون… لأنّها كثيرة جدّاً وأسانيدها كثيرة كذلك، فَوَقَع في تناقضات، والتجأ إلى تكذيب الأحاديث الصحيحة بل المتواترت والأقوال المشهورات.. فيحاول أولا التقليل من عدد ما صحّ منها، فيستشهد بكلام ابن حزم القائل: «الذي صحّ من فضائل علي فهو قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي. وقوله: لاُعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ـ وهذه صفة واجبة لكلّ مسلم ومؤمن وفاضل ـ وعهده صلّى الله عليه وسلّم: إن علياً لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق… وأما سائر الأحاديث التي يتعلّق بها الروافض فموضوعة، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها»(1).
ويعود فيشير إلى هذه الكلمة ويصدّقها في الجواب عن أحد أحاديث الفضائل فيقول: «إن هذا الحديث كذب موضوع باتّفاق أهل العلم بالحديث، وقد تقدّم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة، يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها، وقد صدق في ذلك»(2).
فما صحّ من فضائل علي عليه السلام هو هذه الأحاديث الثلاثة… كما قال ابن حزم الشهير بالنصب له عليه السلام.
لكنّه يستشهد في موضع آخر بكلام لأبي الفرج ابن الجوزي وفيه: «فضائل علي الصحيحة كثيرة»(3).
ثم يأتي فيعدّد فضائل للإمام ممالم يذكره ابن حزم قائلا: «وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحّها قوله يوم خيبر: لاعطينّ الراية رجلا… فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث…»(4).
وسواءً كانت فضائله الصحيحة كثيرةً عدداً أو قليلة، فإنّه قد نصّ أحمد بن حنبل ـ الذي طالما يعظّمه ابن تيميّة ويقتدي به ـ على أنّه لم يرد في حقّ أحد من الصحابة من الأحاديث المعتبرة ما ورد في حقّ علي… لكن لا مناص لابن تيميّة من تكذيب هذا الخبر، لأنّه عن إمامه وعليه أن يقبله، وحينئذ يلزمه الإعتراف بأفضلية علي، وقد قرّر ابن تيميّة أن الأفضل هو المتعيَّن للإمامة…
إنّه لا مناص له من تكذيب هذا الخبر، فيقول: «وأحمد بن حنبل لم يقل إنه صحّ لعلي من الفضائل مالم يصح لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نقل عنه أنه قال: روي له مالم يرو لغيره. مع أنّ في نقل هذا عن أحمد كلاماً ليس هذا موضعه»(5).
ويؤكّد ذلك مرّة اُخرى قائلا: «وقول من قال: صحّ لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره، كذب لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث، لكن قد يقال: روي له مالم يرو لغيره»(6).
فانظر إلى الإضطراب، فهو يكذّب الكلمة المنقولة عن أحمد ويضيف: «كذب، لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث» لعلمه بأنه قد قال غير أحمد ذلك أيضاً، ثم يذكر ما نسبه إلى أحمد بعنوان «بل نقل عنه» بقوله: «لكن قد يقال…» فجوّز أن يقال هكذا، ولكنّه في الموضع السّابق قال: «مع أنّ في نقل هذا عن أحمد كلاماً ليس هذا موضعه»!
أقول:
الّذي رواه الحافظ ابن الجوزي الحنبلي المتوفى سنة 597، والذي طالما اعتمد عليه ابن تيميّة هو: «سمعتُ عبدالله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول: ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي رضي الله عنه»(7).
وحتى لو كانت الكلمة المنقولة عن أحمد: «روي له مالم يرو لغيره»، فهل مقصوده روي له من الفضائل، أو المطاعن؟ وإذا كان المقصود الفضائل فهل يقصد الفضائل الثّابتة بالطّرق المعتبرة عنده، أو الأعم من الثّابت والمكذوب؟
اُنظر إلى ما جاء في (المستدرك) للحاكم و (تليخصه) للذهبي، يقول الحاكم:
«ومن مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ممّا لم يخرّجاه:
سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ»(8).
فإذال كان هذا نصّ كلام أحمد، فماذا فهم منه القوم حتى رووه عنه بالإسناد الصحيح معنعناً بالسّماع؟ وإذا لم يكن المراد هو الفضائل الثّابتة فكيف يأتي الحاكم بهذا الكلام تحت عنوان «ومن مناقب أميرالمؤمنين ممّا لم يخرجاه» وقبل الورود في فضائله التي استدركها عليهما وهي على شرطهما أو شرط واحد منهما؟
ولو كانت الكلمة مطلقةً، فما معنى قول ابن حجر العسقلاني الحافظ بعد نقلها «وفي هذا كفاية»؟ قال في آخر ترجمة الإمام وبعد ذكر طرف من مناقبه: «وقد روي عن أحمد بن حنبل أنه قال: لم يرو لأحد من الصحابة من الفضائل ما روي لعلي، وكذا قال النسائي وغير واحد. وفي هذا كفاية»(9).
هذا، ولكنّ الكلمة محرّفة عن عمد أو غير عمد، حتّى الرجل الواحد منهم يرويها بالإختلاف في اللّفظ، وإليك البيان:
قال الحافظ ابن عبد البر: «وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. وكذلك قال أحمد بن شعيب بن علي النسائي، رحمه الله»(10).
إذن، فضائله التي اختصّ بها دون غيره من الصحابة هي «بالأسانيد الحسان» والقائلون بذلك أحمد وغيره من الأئمة.
وقال الحافظ ابن حجر: «ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصّحابة ما نقل لعلي، وقال غيره… وتتبّع النسائي ما خصّ به من دون الصّحابة فجمع من ذلك شيئاً كثيراً بأسانيد أكثرها جياد»(11).
فهنا، وإن اُسقط «بالأسانيد الحسان» أو نحوه، إلاّ أنه نصّ على جودة أكثر أسانيد (الخصائص) للنسائي وهو من أصحاب الكلمة، لكن في شرح البخاري، بشرح عنوان «باب مناقب علي بن أبي طالب» ما نصّه: «قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي»(12).
إذن، فالكلمة الصادرة عن أحمد وغيره من الأئمة لم تكن مطلقةً، بل فيها الإعتراف باعتبار تلك الفضائل التي اختص بها علي دون غيره من الأصحاب، لكنّ القوم حرّفوها، بالإسقاط أو التغيير، عن عمد أو سهو.
وبما ذكرناه غنىً وكفاية لطالب الحق والهداية.
ثم إنّ النسائي قد جمع لأمير المؤمنين عليه السلام فضائل كثيرة تخصُّ به دون غيره وسماها بـ (خصائص علي) في جزء من (صحيحه) الذي هو أحد الصّحاح الستّة، وقد شهد غير واحد من الحفاظ بكونها (خصائص له) وبكون أسانيده معتبرةً، كالحافظ ابن حجر العسقلاني، في عبارته المتقدّمة، وبذلك يظهر كذب ابن تيمية في قوله: «وقد قال العلماء: ما صحَّ لعلي من الفضائل فهي مشتركة»(13).
إذن، لأمير المؤمنين عليه السّلام (خصائص) و (أسانيدها) كلّها (صحاح) و(جياد) و(حسان)… لكنّ ابن تيميّة كذّب أكثر فضائل الإمام وخصائصه، وما اعترف بصحّته ـ وهو قليل ـ فقد أنكر كونه من (الخصائص):

(1) منهاج السنة 7/320ـ321.
(2) منهاج السنة 7/354.
(3) منهاج السنة 7/422.
(4) منهاج السنة 8/420ـ421.
(5) منهاج السنة 7/374.
(6) منهاج السنة 8/421.
(7) مناقب أحمد بن حنبل، الباب العشرون في ذكر اعتقاده في الاصول: 163.
(8) المستدرك على الصحيحين ـ كتاب معرفة الصحابة، الحديث 4572 ـ 3/116 .
(9) تهذيب التهذيب ـ الترجمة 4925، علي بن أبي طالب 7/288.
(10) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ باب عطية، الترجمة 1855 علي بن أبي طالب 3/1115.
(11) الاصابة ـ الترجمة 5704، علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه ـ 4/464 ـ465.
(12) فتح الباري، شرح صحيح البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب ـ 7/71.
(13) منهاج السنة 7/121.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *