العصمة

العصمة
وذكر العلاّمة رحمه الله في عقائد الإماميّة: «ذهبت الإمامية إلى… أنه تعالى كلّفهم تخييراً لا إجباراً، ووعدهم الثواب وتوعّدهم بالعقاب على لسان أنبيائه ورسله المعصومين، بحيث لا يجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي، وإلاّ لم يبق وثوق بأقوالهم وأفعالهم، فتنتفي فائدة البعثة. ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول بالإمامة، فنصب أولياء معصومين، ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم، فينقادون إلى أوامرهم…»(1).
وأيضاً، قال: «وأنّ الأنبياء معصومون عن الخطأ والسّهو والمعصية صغيرها وكبيرها، من أول العمر إلى آخره، وإلاّ لم يبق وثوق بما يبلّغونه، فانتفت فائدة البعثة ولزم التنفير عنهم»(2).
وذكر في عقائد غيرهم: «وأهل السنّة ذهبوا إلى خلاف ذلك كلّه… وأنّ الأنبياء غير معصومين، بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو وغير ذلك»(3).
وقال: «وذهب جميع من عدا الإماميّة والإسماعيلية إلى أن الأنبياء والأئمة غير معصومين، فجوّزوا بعثة من يجوز عليه الكذب والسهو والخطأ والسرقة، فأيّ وثوق يبقى للعامّة في أقوالهم؟ وكيف يحصل الإنقياد إليهم؟ وكيف يجب اتّباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأً؟»(4).
أقول:
هنا مطالب، الأول: المراد من العصمة المبحوث عنها. والثاني: العصمة في الأئمة. والثالث: العصمة في الأنبياء.
المراد من العصمة
الذي جاء في كلام العلاّمة هو: العصمة من المعصية كبيرها وصغيرها والخطأ والسّهو والنسيان، من أوّل العمر إلى آخره.
أمّا ابن تيميّة فيفسّرها كما يلي: «والعصمة مطلقاً التي هي: فعل المأمور وترك المحظور…»(5) أي: أن يكون فاعلا للطاعة وتاركاً للمعصية.
وإذ عرفنا معنى «العصمة» عند ابن تيميّة، فالغريب أن ينكر «العصمة» التي فسّرها هكذا عن الأئمة وعن الأنبياء!!.
عصمة الأئمّة
فقد عرفنا أنّ العلاّمة يثبت «العصمة» بالمعنى الذي ذكره لجميع «الأئمّة الاثني عشر» عليهم السّلام…
وهذا ما يدّعي ابن تيمية كونه بدعةً، وأن أوّل من ابتدع هذه البدعة هو «ابن سبأ»: «وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه، وهو الذي ابتدع النص في علي وابتدع أنه معصوم، فالرافضة الإمامية هم أتباع المرتدين وغلمان الملحدين وورثة المنافقين، لم يكونوا أعيان المرتدّين الملحدين»(6).
ثم جعل ينقض بأنّ دعوى العصمة لأبي بكر وعمر أولى من دعوة عصمة علي، بل إنّ أتباع بني اميّة بل أكثرهم كانوا يعتقدون ذلك في أئمتهم وهم ملوك بني اُميّة، فإذا جاز أنْ تدّعى العصمة للأئمة الاثني عشر جاز لهم أنْ يقولوا بكفاية عصمة الامام الذي أتمّت به»(7)
أقول:
ومن هنا يفهم لماذا فسّر العصمة بما ذكره!!
عصمة الأنبياء
وأمّا في عصمة الأنبياء، فقد اعترف بأن عقيدتهم هي أن الأنبياء معصومون في التبليغ فقط، والقول بأكثر من ذلك غلوّ في الأنبياء كغلوّ النصارى، ثم ادّعى وقوع النزاع بين الإماميّة في عصمة الأنبياء. ثم قال بأنّ قول من قال من أهل ـ السنّة بجواز السرقة والكذب ونحو ذلك عليهم لا ينسب إلى أهل السنّة كلّهم.
فهذه خلاصة كلامه في المسألة، وإليك قدر الحاجة من نصوص عباراته:
قال في عقيدة قومه: «فإنهم متّفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلّغونه عن الله تعالى»(8).
وقال: «وقد ذكرنا غير مرّة أنه إذا كان في بعض المسلمين من قال قولا خطأ لم يكن ذلك قدحاً في المسلمين».
ثم جعل يتهجّم ويسبّ: «ولو كان كذلك لكان خطأ الرافضة عيباً في دين المسلمين، فلا يعرف في الطوائف أكثر خطأ وكذباً منهم، وذلك لا يضرّ المسلمين شيئاً، فكذلك لا يضرّهم وجود مخطىء آخر غير الرافضة»(9).
وقال: «إنّ الإمامية متنازعون في عصمة الأنبياء»(10) أرسله إرسال المسلّم ثمّ نقل كلاماً عن الأشعري في (المقالات) في إثبات ذلك!!
أقول:
مذهب ابن تيمية أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم معصوم في تلقّي الوحي وتبليغ الأحكام الشرعية فقط.
ولكنّ الحق عصمته في جميع الاُمور، كما ثبت في محله… ولا نزاع بين الإمامية في ذلك، ودعوى النزاع بينهم فيه باطلة.
إلاّ أنّ مقتضى أحاديث القوم عدم عصمته حتى في تلقّي الوحي، ومن ذلك حديث الغرانيق، حتى قال أبو السعود العمادي في تفسير سورة النجم: «إن في هذه الآية دلالة على جواز السّهو على الأنبياء وتطرّق الوسوسة إليهم» وقد جزم بالواقعة بعض أئمتهم أخذاً بالحديث الوارد بطرق صحيحة عندهم، كالشيخ عبدالعزيز الدهلوي صاحب التحفة الاثنا عشرية.
لكنّ آخرين منهم كالقاضي عياض والفخر الرّازي وغيرهما يبطلون هذا الحديث، حتى قال الأول منهما بعد كلام طويل: «ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس أو الجن هذا الحديث على بعض مغفّلي المحدّثين، ليلبس به على ضعفاء المسلمين»(11).
عصمة الامّة
ثم إنّ ابن تيمية يدّعي عصمة الاُمّة فيقول:
«لا نسلّم أن الحاجة داعية إلى نصب إمام معصوم، وذلك لأنّ عصمة الامّة مغنية عن عصمته»(12).
أقول:
يكفي في سقوطه إخبارات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأحاديث المتواترات بوقوع الفتن والضلالات، بل في أحاديث الحوض خاصّةً ـ الصحيحة قطعاً ـ التصريح بضلال أكثر أصحابه!!

(1) منهاج السنة 1/123ـ124.
(2) منهاج السنة 2/99.
(3) منهاج السنة 1/125ـ126.
(4) منهاج السنّة 3/371.
(5) منهاج السنة 7/85.
(6) منهاج السنة 7/220.
(7) منهاج السنة 6/430 ـ 432.
(8) منهاج السنة 1/470، 3/372.
(9) منهاج السنة 3/372.
(10) منهاج السنة 2/293.
(11) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ القسم الثالث، الباب الأول، الفصل السادس 2/135.
(12) منهاج السنة 6/466.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *