الترتّب ببيان الشيخ الحائري و الكلام حوله

الترتّب ببيان الشيخ الحائري:
والشيخ عبدالكريم الحائري ذكر في ( الدرر )(1) مستفيداً من المحقق السيّد الفشاركي أربع مقدّمات، وقد شارك الميرزا في بعض الخصوصيّات، كقولهما بكون الأمر بالمهم مقيّداً ـ خلافاً للمحقّق العراقي القائل بأنّه مطلق، كما سيأتي ـ ونحن نتعرّض للمقدّمتين الأولى والثانية، وحاصل كلامه فيهما:
إن الإرادة المتعلّقة بالعناوين تنقسم إلى قسمين، فقد تكون مطلقةً لم يؤخذ فيها أيّ تقدير، بل الشيء يجب إيجاده بجميع مقدّماته، كأن يريد إكرام زيد بلا قيد، فهذه إرادة مطلقة تقتضي تحقّق الموضوع وهو مجئ زيد ليترتب عليه إكرامه. وقد تكون الإرادة على تقدير، وجودي أو عدمي، فتكون منوطةً بذلك التقدير، فلو لم يتحقّق التقدير فلا إرادة بالنسبة إليه… وتنقسم هذه الإرادة إلى ثلاثة أقسام بحسب حصول التقدير الذي أُنيطت به:
فتارةً: تتعلّق بالشيء بعد حصول التقدير، كتعلّقها بإكرام زيد على تقدير مجيئه. وثانيةً: تتعلّق به عند حصوله، كتعلّقها بالصوم عند الفجر. وثالثةً: تتعلّق به قبله، كتعلّقها بالخروج إلى استقبال زيد الذي سيصل إلى البلد بعد ساعات مثلاً.
ففي هذه الأقسام تكون الإرادة منوطة بالتقدير، فإذا علم به كان لها الفاعليّة، كما لو علم بوقت قدوم المسافر خرج إلى استقباله، ولو علم بالفجر صام، ولو علم بالمجئ أكرم… فكان للعلم بالتقدير دخل في فاعلية الإرادة وتأثيرها.
وهذه هي المقدمة الأولى… ونتيجتها في الترتب هو:
إنّ الإرادة المتعلّقة بالأهم مطلقة وليس فيها تقدير، والمتعلّقة بالمهم منوطة غير منوطة بتقدير ترك الأهم، وموجودة قبل حصول التقدير المذكور، غير أنّ فاعليّتها متوقّفة على حصوله. وعلى هذا، فمورد الترتب في طرف الأهم من قبيل الإرادة المطلقة، ومن طرف المهم من قبيل الإرادة المنوطة، فكما لا فاعليّة لإرادة الصّوم قبل طلوع الفجر، كذلك لا فاعليّة لإرادة الصّلاة قبل ترك إزالة النجاسة من المسجد، بل عند تحقق تركها تتحقّق الفاعليّة بالنسبة إلى الأمر بالمهم.
قال الأُستاذ:
وهذا بيانٌ آخر لمطلب الميرزا، غير أنه قال: بأنّ الأمر بالمهم لا تحقّق له ما لم يتحقق الشرط ـ وهو ترك الأهم ـ فلا فعليّة له ولا فاعلية، والحائري يقول بوجود الفعليّة له، وإنما الفاعليّة منوطة بترك الأهم.
وقد خالفا صاحب الكفاية، إذ جعل الترك شرطاً متأخّراً، وقد جعلاه مقارناً، غير أنّه عند الميرزا هو شرط مقارن للفعليّة فما لم يتحقق فلا فعليّة، وعند الحائري هو شرط مقارن للفاعليّة فما لم يتحقق فلا فاعليّة، أمّا الفعليّة فهي محققة قبل الشرط للأمر بالمهم كما هي محقّقه للأمر بالأهم.
ثم ذكر الشيخ الحائري في المقدّمة الثانية: إنه لمّا كانت الإرادة في المهم منوطةً بالتقدير، فإنه يستحيل تحقق الفاعليّة لها قبل تحقّقه، فليس لها أي تأثير في تحرّك العبد إلا بعد تحقق التقدير، إذ لو فرض لها فاعليّة قبله للزم الخلف وهو محال.
قال:
قد توافق الشيخ الحائري والمحقق العراقي على أن حقيقة الواجب المشروط هي الإرادة المنوطة، وقد أخذا هذا من فكر السيد المحقّق الفشاركي، والسرّ في الالتزام بذلك في الواجب المشروط هو: إنه إذا قال: إذا زالت الشمس فصلّ، فهل قبل الزوال يوجد إيجابٌ ووجوبٌ أو كلاهما يحصلان عند الزوال، أو يحصل الإيجاب بهذا الإنشاء والوجوب عند الزوال ؟
فإن قلنا: بحصولهما عند الزوال، فالإنشاء قبله لغو. وإن قلنا: بحصول الإيجاب عند الإنشاء والوجوب عند الزوال، لزم التفكيك بين الإيجاب والوجوب.
فتعيّن القول بحصولهما عند الانشاء… وهذا هو الواجب المشروط. لكن يرد عليه:
أوّلاً: إن هنا إرادة قد أُنيطت بقيد وتقدير، ومعنى الإناطة هو الابتناء والإشتراط، فإن لم يكن للقيد دخلٌ في الإرادة فهي مطلقة ولا إناطة، وإن جعل دخل القيد في الفاعلية فقط، لزم أن تكون الإرادة مطلقةً كذلك. فليس الواجب مشروطاً بل هو مطلق… نعم، للمحقق الحائري أن يقسّم الواجب المطلق إلى قسمين، أحدهما: ما كانت للإرادة فيه فعليّة بلا فاعليّة، والآخر: ما كانت للإرادة فيه فعليّة وفاعليّة.
وثانياً: إنّ شروط الوجوب تختلف عن شروط الواجب، لأنّ شروط الوجوب لها دخل في الغرض من الحكم، فما لم يتحقق الشرط فلا غرض، كالزوال بالنسبة إلى الصّلاة، وشروط الواجب لها دخل في فعليّة الغرض، كالطهارة بالنسبة إلى الصّلاة، إذ الغرض من الصّلاة موجود سواء وجدت الطهارة أو لا، لكنّ فعليّة الغرض موقوفة عليها.
وعلى ما ذكره من تحقّق الإرادة وفعليتها في الواجبات المشروطة قبل حصول الشرط، يلزم تخلّف الإرادة عن الغرض، فكيف تتحقّق الإرادة والغرض غير حاصل لكونه مشروطاً بشرط غير حاصل… وبعبارة أُخرى: كيف تتحقّق الإرادة مع العلم بعدم تحقق الغرض والحال أنّ الإرادة تابعة للغرض ؟
إيراد المحقق الإصفهاني وجوابه:
وأمّا إيراد المحقق الإصفهاني: بأن تخلّف الإرادة عن المراد محال، سواء كانت الإرادة تكوينيّة أو تشريعيّة، لأنّ الإرادة التكوينيّة هي الجزء الأخير للعلّة التامّة، والتشريعيّة هي الجزء الأخير لإمكان البعث، ولا يتخلّف إمكان البعث عن امكان الإنبعاث.
فقد أجاب الأُستاذ عنه: بأنه يبتني على إنكار الواجب المعلّق وعدم تخلّف البعث التشريعي عن الانبعاث، وقد تقدّم في محلّه إثبات الواجب المعلّق وإمكان التخلّف في التشريعيّات… فمن الممكن أن يكون الوجوب حاليّاً والواجب استقباليّاً.

(1) درر الفوائد (1 ـ 2) 140 ط جامعة المدرسين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *