المقدّمة الثانية

المقدّمة الثانية ( في الجواب عن المطاردة )
إنّه يجاب عن إشكال المطاردة بين إطلاق الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ بعد تحقّق شرطه وصيرورته مطلقاً بذلك، بناءً على ما صرّح به الميرزا من أنّ كلّ موضوع شرط وكلّ شرط موضوع، فإنّه يكون للشرط ما كان للموضوع من الأثر، وكما تتحقّق الفعليّة للحكم بوجود الموضوع، فإنّ فعليّة الشرط فعليّة الحكم، فلا فرق بين « المستطيع يجب عليه الحج » و« المكلّف إذا استطاع يجب عليه الحج » وعلى هذا، فكما لا يخرج الموضوع عن الموضوعيّة قبل وجوده وبعد وجوده، كذلك الشرط لا ينسلخ عن كونه شرطاً بعد تحقّقه، وعليه، لا يخرج المشروط عن الإناطة بالشرط ليكون مطلقاً بعد تحقّقه، وإذ لا يكون مطلقاً فلا تتحقّق المطاردة بين الحكمين.
الإشكال على الميرزا
وقد أشكل على الميرزا هنا بوجوه بعضها ناش من عدم التدبّر في كلامه وبعضها خارج عن البحث، إلاّ أن الإشكال الوارد من الأُستاذ يرجع إلى المناقشة في المبنى، إذ يقول: بأنّ الشرط إمّا متمّم لاقتضاء المقتضي وإمّا متمّم لقابليّة القابل، فيستحيل كون الشرط موضوعاً للحكم ورجوع الموضوع إلى الشرط، وعلى الجملة، فإنّ المقتضي ـ وهو الموضوع ـ منشأ للأثر، والشرط هو ما يساعد على تأثير المقتضي أثره، فكلّ من الموضوع والشرط جزء للعلّة التامّة، ويستحيل رجوع أحد الأجزاء إلى الجزء الآخر… فهذا هو الإشكال على الميرزا رحمه اللّه.
لكن الميرزا يصرّح: بأنّه ليس حكم الموضوع والشرط حكم أجزاء العلّة التكوينيّة، بل الموضوع في الأحكام الشرعية هو المكلّف، وشرط التكليف هو البلوغ والعقل، والحكم إرادة المولى بحسب الملاكات. فليس البلوغ ـ مثلاً ـ متمّماً للإقتضاء أو لقابليّة المحلّ القابل، بل الملاكات هي التي تؤثر في إرادة المولى، وهو يجعل الحكم ويعتبره عند تحقّق الشرط… فالإناطة التي كانت قبل تحقق الشرط موجودة بعد تحققه، ولا يصير الواجب المشروط بعد تحقق الشرط واجباً مطلقاً، بل الحكم المشروط بعصيان الأهم يبقى مشروطاً بعد تحقق العصيان أيضاً… فالإشكال مندفع.
نعم، لو كان مراده أنّ كلّ شرط موضوع وكلّ موضوع شرط في جميع الآثار، فهذا غير تام، ففي باب المفاهيم ـ مثلاً ـ لو كان كلّ شرط موضوعاً بلا فرق، كان معنى قولك: « إن جاءك زيد فأكرمه »: زيد الجائي إليك أكرمه، ومعنى الآية: ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا ): الفاسق الجائي إليكم تبيّنوا عنه، وحينئذ، ينتفي مفهوم الشرط ويرجع الكلام إلى مفهوم اللقب، وهذا ليس بمراد للميرزا. بل المراد هو: إنّ الشرط والموضوع بمنزلة واحدة في إناطة الحكم وتعليقه عليهما، فكلّ حكم منوط بالموضوع حدوثاً وبقاءً، ومنوط بشرطه حدوثاً وبقاءً كذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *