الوجه الثالث

الثالث
ما نقله في الكفاية عن أبي الحسين البصري(1) وهو أنّه: لو لم تجب المقدّمة لجاز تركها، وإذا تحقّق الترك، فلا يخلو حال ذي المقدّمة من أنْ يبقى على وجوبه فيلزم التكليف بما لا يطاق، أو يخرج عن الوجوب المطلق ويكون مشروطاً بوجود المقدّمة، وهذا خلف.
أجاب في الكفاية: بعدم لزوم شيء من المحذورين، بعد حكم العقل بلابدّية الإتيان بالمقدّمة، فلو ترك المقدّمة ـ مع ذلك ـ لزم سقوط الأمر بذي المقدّمة بالعصيان، فالأمر غير باق حتى يلزم التكليف بما لا يطاق.
وأشكل المحقّق الإيرواني(2) على الكفاية: بأنّ هذا الجواب يتم على القول بجواز خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعي. وأمّا بناءً على أنّ لكل واقعة حكماً شرعياً، فإنّه إن لم تجب المقدّمة فهي مباحة شرعاً، ومع الإباحة تكون موضوعاً لحكم العقل بالرخصة، وإذا جاء الترخيص بالنسبة إلى المقدّمة أمكن ترك ذي المقدّمة أيضاً، فينقلب وجوبه عن الإطلاق إلى الإشتراط بالإتيان بالمقدّمة. وهذا هو الخلف.
والحاصل: إنّ جواب الكفاية عن الاستدلال مبنائي.
والأُستاذ وافق على إشكال المحقّق الإيرواني، لكنّه ذكر أنّ المبنى الصحيح ما ذهب إليه في الكفاية، إذ لا دليل على ضرورة وجود حكم شرعي في كلّ واقعة، بل الحكم العقلي أيضاً وظيفة مخرجة للعبد من الحيرة. وبعبارة أُخرى: لابدّ من تعيين الوظيفة في كلّ واقعة سواء كانت من ناحية العقل أو الشرع.

(1) مع اصلاح الاستدلال بأن يكون المراد من « جواز الترك »: عدم المنع لا الاباحة، وانّ الموجب للتكليف بما لا يطاق هو الترك لا جواز الترك.
(2) نهاية النهاية 1 / 183.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *