رأي المحقق الإيرواني

القول بالإطلاق الأحوالي
وقال المحقّق الإيرواني(1) بالإطلاق الأحوالي في الفرد المردّد بين النفسيّة والغيريّة، لأنّ الإطلاق قد يكون أفرادياً، وقد يكون أحواليّاً. فالأفرادي موضوعه الطبيعة وهي ذات فردين أو أفراد، وحينئذ يصلح لأنْ يكون مطلقاً، أي لا بشرط بالنسبة إلى خصوصيّة هذا الفرد أو ذاك… كما هو الحال في « الرقبة » مثلاً، حيث أنّها طبيعة ذات حصّتين، وهي قابلة لأنْ تكون هي المراد والمورد للحكم.
وأمّا الإطلاق الأحوالي، فإنّه يجري في الفرد أيضاً… وكلّما كانت طبيعة ذات حصّة ولكن المورد لا يصلح لأن تكون الطبيعة هي المراد، فإنّه يجري فيه الإطلاق الأحوالي.
وعلى هذا، فإنّ الشيخ رحمه اللّه لمّا قال بأنّ مدلول الهيئة هو الفرد، والفرد لا يقبل الإطلاق والتقييد، يتوجّه عليه: إنّه لا يقبل الإطلاق الأفرادي، لكنّه يقبل الإطلاق الأحوالي.
والمحقّق الخراساني ذهب إلى الإطلاق المفهومي، فيرد عليه الإشكال: بأنّ الإطلاق المفهومي لا مورد له في المقام، لأن مجراه مثل « الرقبة » حيث أنّ الطبيعة تكون مورداً للحكم والإرادة ويتعلّق بها التكليف، فيعمّ كلتا الحصّتين المؤمنة والكافرة، بخلاف المقام، فإنّه لا يعقل أن يكون المراد هو الأعم من النفسيّة والغيريّة، بل إن حال الفرد الواقع خارجاً مردّد بين الأمرين، والمقصود بيان حاله وإخراجه من حالة التردّد، ولا يعقل الإطلاق المفهومي في الفرد… بل يتعيّن الإطلاق الأحوالي، فإذا كان الوجوب المتعلّق بالوضوء فرداً، فإنّه ذو حالين، حال وجوب الصّلاة وحال عدم وجوبها، ومقتضى الإطلاق هو التوسعة بالنسبة إلى الحالين لهذا الفرد، فهو توسعة في الحال لا في المفهوم.
فظهر جريان الإطلاق الأحوالي بناءً على مسلك المحقّق الخراساني من أنّ مدلول الهيئة هو مفهوم الطلب، وهو أيضاً جار بناءً على كون مدلولها: النسبة البعثيّة أو البعث النسبي. أمّا الإطلاق الأفرادي فلا يجري، لأن مدلول الهيئة معنىً حرفيّ والمعنى الحرفيّ جزئي….
هذا كلّه في التمسّك بإطلاق مفاد الهيئة.
وأمّا التمسّك بإطلاق المادّة، فقد أفاد في ( المحاضرات )(2): بأنّه بناءً على نظرية الشّيخ من لزوم رجوع القيد إلى المادّة، يمكن تقريب التمسّك بالإطلاق بوجهين:
الأوّل: فيما إذا كان الوجوب مستفاداً من الجملة الاسميّة، كقوله عليه السلام: « غسل الجمعة فريضة من فرائض اللّه » فإنّه لا مانع من التمسّك في مثله بالإطلاق لإثبات النفسيّة، إذ لو كان غيريّاً لزم على المولى إقامة القرينة.
والثاني: التمسّك بإطلاق دليل الواجب ـ كدليل الصّلاة مثلاً ـ لدفع ما يحتمل أن يكون قيداً له كالوضوء مثلاً، ولازم ذلك عدم كون الوضوء واجباً غيريّاً، وقد تقرّر حجيّة مثبتات الأُصول اللفظيّة.
قال الأُستاذ: إنّه لا وجه للحصر بوجهين، بل الإطلاق الأحوالي جار أيضاً كما تقدّم… هذا أوّلاً.
وثانياً: إنّ الوجه الثاني ـ من الوجهين المذكورين ـ لا يقول به الشيخ، وإن كان وجهاً صحيحاً في نفسه.
وتلخّص: تمامية الإطلاق بوجوه ثلاثة:
1 ـ الإطلاق الأحوالي في مفاد الهيئة.
2 ـ إطلاق المادّة، أي مادّة الوضوء في « توضّأ ».
3 ـ إطلاق دليل الواجب.

(1) نهاية النهاية 1 / 156.
(2) محاضرات في أُصول الفقه 2 / 221.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *